أولاً: هل الرسم يصيبه التنوع في الخط أي هل الكتابة يصيبها التنوع أو لا؟ نقول: قطعا يصيبها التنوع فمثلا (إبراهيم) إذا نظرنا في المصحف وجدنا أنها في مواطن مكتوبة (إبراهيم) بدون نقط, وبعضها كتب (إبراهم) لتوافق قراءة (إبراهام) فهذا تنوع في رسم الكلمة الواحدة, فإذا أثبتنا أصل التنوع فهل يلزم على من يعرف الكتابة أن يعرف أنواع رسم هذه الكلمة نقول: لا يلزم, فكما أن الواحد من الصحابة لا يلزم أن يعرف جميع معاني القرآن فكذلك نقول: لا يلزم أن يكون الصحابي عالماً بجميع أنواع الرسم، فنحمل من خطَّأ في هذا الباب على أنه علم نوعا من الرسم فحكم به , وجهل النوع الذي كَتب به غيره فخطأه , وهذه قاعدة كلية يمكن أن يقال فيها: إن من خطَّأ رسمًا فإنه علم نوعا من الرسم وجهل ما كتب به كاتب المصحف، فتخطئته من الجهة العلمية صحيحة؛ لأنه حَكَم بما يعلم لكن لما اطلعنا على تنوع الرسم فإننا نخالفه في النتيجة، ونقول: إن قوله غير صحيح؛ لأن فيه تنوعاً في الرسم.
ثانيًا: نأتي إلى قضية أخرى وهي التي أشار إليها عثمان ـ رضي الله عنه ـ فيما رواه عنه عكرمة ـ وإن كان فيها انقطاع في السند ـ فإنها مفيدة في مقام اختلاف المرسوم مع الملفوظ؛ لما قال ( ... فإن العرب ستعربه بألسنتها)، ويمكن صياغة السؤال الآتي: هل العرب ـ إذا قرأت ـ تعتمد على المكتوب أم على المقروء؟
نقول: إنها تعتمد على المقروء أي: على ما تقرأ، وهذه قاعدة يحسن استصحابها في الكلام في موضوع الرسم.
ويمكن صياغتها بصورة أخرى: أيهما أسبق القراءة أم الرسم؟ وإذا وقع خلاف بين المرسوم والمقروء فأيهما يقدم؟
لا شكَّ أن الذي يُقدم هو المقروء, إذن القراءة حاكمة على الرسم، فيحمل كلام عثمان على مثل هذه الزوائد فالعرب تعرف كيف تتكلم بها؛ مثل ((لا أذبحنه)) كتبت بزيادة ألف بعد اللام ولم يقرأ أحد بتلك الزيادة أي بالنفي , فالعرب تعرف كيف تتكلم بها وتصحح هذا النوع بقراءتها وليس المقصود أن هذا خطأ لكن المقصود أن هناك أناسا ستقرأه على الصواب.
وأخيرًا عندنا قضية أخرى مرتبطة بهذا الجانب، وهي المناقشة العلمية مع هؤلاء المستشرقين نقول له: إذا كنت تعرف لغة قومك –لا نقول غيرهم- فستجد عندهم أشياء مرتبطة بالرسم فيها زيادة أو نقص وأنت تقرأها خلاف الرسم؛ ولذا لا توجد لغة إلا وهي تشتمل على مثل هذا الشيء لماذا؟ لأن الرسم إنما هو تقريب لصورة المقروء ولا يلزم منه المطابقة التامة في أي لغة من لغات العالم، فالذي يزعم المطابقة يدل على أنه يخالف إجماع البشر في الرسم.
فمن المستحسن في مناقشة هؤلاء أن نناقشهم بهذا، ونرجعهم للغتهم ورسومها، فإنهم سيرون ما ينقدونه علينا موجودًا عندهم وعند غيرهم، فالمسألة في هذا متساوية.
لكن المشكلة عندنا أن ننطلق دائما في مثل هذا من الدفاع ونغفل أحيانا عن مثل هذه الأمور التي يشترك فيها الجميع، فإذا أخدنا بالأمر الكلي الأول ـ وهو التنوع ـ والأمر الكلي الثاني ـ وهو أن الرسم إنما هو تصويرـ , والأمر الكلي الثالث ـ وهو أن ما يُدَّعى على رسم القرآن موجود في كل اللغات ورسومها ـ فإنه لا يكون عندنا مشكلة في هذا الباب، فمن علِم حكَم بما يعلم، كمثل ما قالت عائشة أو عثمان أو غيرهم, ولا يلزم منه عدم وجود علم آخر.
لذا فإن الصواب أن نقول: إن جملة من هذا الرسم جاءت من باب اختلاف التنوع، فلو ناقشنا هذه القضية بهذا الأسلوب ارتحنا من عناء كبير فيما يتعلق بهذه القضية، مع ملاحظة أن عندنا من تقييم الآثار ما ليس عند النصارى أو الملاحدة، وهو قضية النكارة، فهي من موجبات ردِّ الأثر.
ولا شك أن كلام علماء الإسلام ـ الذي ذكرنا بعضه ـ يدل على أن هذه الآثار ـ لو صحت ـ فيها نكارة؛ لأنها مرتبطة بإجماع المسلمين، فكيف يتفق المسلمون على الخطأ، إنَّ هذا لا يمكن، وعدم إمكانه من الأمور المتفق عليها، والله الموفق.
ـــــــــــــ
(1) انظر هذه المقالة المتعلقة باسم كتاب الحوفي: http://www.tafsir.org/vb/showthread.php?t=10540&highlight=%C7%E1%CD%E6%DD%ED)
(2) انظر في تفصيل مسألة الحروف المقطعة كتاب مفهوم التفسير والتأويل، لمعلق هذه السطور.
ـ[فهد الوهبي]ــــــــ[17 Feb 2008, 06:11 م]ـ
أحسنت أخي بدر الجبر على متابعاتك وكتب الله لكم الأجر ..
ودروس الدكتور مساعد الطيار من أهم الدروس في علوم القرآن وهي بحاجة إلى عناية أمثالكم ليستفيد منها أكبر عدد من المختصين ..