تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

-هذه القراءة التي قرأنا بها تؤكد وتعتمد على أن القرآن له وحده بنائية متكاملة، ولأؤكد لك، المشركون الجاهلون كانوا يقولون {لولا نزل عليه ملك ولو أنزلنا ملكاً لقضي الأمر ثم لا ينظرون ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلاً وللبسنا عليهم ما يلبسون} فهنا يرد عليهم بقوله {ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكة في الأرض يخلفون} فمعناه أن الله سبحانه وتعالى قادر على نزول الملائكة، لكن لن تستطيعوا التفاهم معهم فالرسالة هي قضية اتصال.

والعملية الاتصالية يجب أن يكون فيها المرسل مثل المرسل إليه، فأنا اخترت بشرا، وأنتم حينما تجادلون في عيسى عليه السلام وتقولون {أألهتنا خير أم هو} فتختلفون فيه، فريق يقول خلق من غير أب، أبوه يوسف النجار وإلى آخره من الاختلافات والتناقضات من قصص أهل الكتاب التي كانت شائعة بسبب الثقافة الشفوية في الجزيرة العربية.

فيرد تعالى: {ما ضربوه لك إلا جدلاً} حتى يجادلوك {بل هم قوم خصمون .. إن هو إلا عبد أنعمنا عليه وجعلناه مثلاً لبني إسرائيل .. ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكة في الأرض يخلفون} ثم جاء بقوله {وإنه لعلم للساعة فلا تمترن بها واتبعوني هذا صراط مستقيم} هذا يعود إلى الوحي وإلى الرسول صلى الله عليه وسلم.

الضمير هنا لا يعود إلى سيدنا عيسى "عليه السلام"؛ لأنه وضع فاصلا بين قضيته وبين هذا الأمر، {ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكة في الأرض يخلفون}؛ لأنه فرغ من مناقشة موضوع الجدل الذي جادله المشركون في قضية سيدنا عيسى، فالضمير يعود على النبي وعلى الوحي .. {وإنه لعلم للساعة}، وهذا ما يؤكده قول النبي صلى الله عليه وسلم: "بعثت أنا والساعة كهاتين" أي أنه لا نبي بعده، ليس غير الساعة بعده، ولذلك جاء الأمر بعدها باتباعه صلى الله عليه وسلم: "وإنه لعلم للساعة فلا تمترن بها واتبعوه هذا صراط مستقيم" ..

فإما الإيمان به وإما الساعة التي تذهب بكم للجزاء "وإنه لعلم للساعة" يعني هذا الوحي أوحيناه إليك .. والدليل على ذلك أننا نرى سورة الزخرف كلها تقريبا تتحدث عن الوحي لمحمد صلى الله عليه وسلم، بدأت بقوله تعالى {حم والكتاب المبين ... } حيث كل النقاش حول سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم والقرآن وما جاءهم به سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وموضوع سيدنا عيسى عليه السلام مقحم؛ لأنهم أرادوا أن يقحموه في هذا الموقع، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوهم إلى الإيمان به، فقالوا إن عيسى نبي ورسول من غير أب ومن أم فقط، وعليه شبهات كذا وكذا، فأنزل الله تعالى {أألهتنا خير أم هو ..... }؛ ولذلك رد عليهم سبحانه كما بينا {ما ضربوه لك إلا جدلا إن هو إلا عبد أنعمنا عليه وجعلناه مثلا لبني إسرائيل} كأنه يؤكد عليهم قائلا: عيسى ليس قضية جوهرية بالنسبة لكم .. هو مثل فقط لبني إسرائيل، أنتم انظروا إليَّ أنا "محمد صلى الله عليه وسلم" .. أنا منكم وأنا نبيكم وهذا الكتاب هو القرآن الذي نزل بلغتكم، فما لكم وعيسى؟! إنه نبي ومَثَلٌ لبني إسرائيل، عليكم فقط أن تؤمنوا أنه جاء لبني إسرائيل وأنه نبي من أنبياء الله وانتهى، أنا ما طلبت منكم أكثر من هذا، ثم انتقل بهم مرة أخرى إلى المطلوب منهم تحديدا {وإنه لعلم للساعة .. } أي الوحي إليك والكتاب المنزل إليك وإرسالك {وإنه لعلم للساعة فلا تمترن} يا عرب يا أميين "بها واتبعوني" وإلا لو ربطنا هذا الضمير بسيدنا عيسى يكون قوله تعالى "اتبعوني" نشاز" والقرآن أبلغ وأفصح من أن يكون فيه شيء نشاز.

إنه في آية واحدة من ناحية يشير إلى عيسى ومن ناحية أخرى يطلب اتباعه {فإنه لعلم للساعة فلا تمترن بها واتبعوني هذا .. } أي الإسلام الذي جئتكم به {صراط مستقيم ولا يصدنكم الشيطان إنه لكم عدو مبين} ..

وخشية أن يظن هؤلاء أن فيما تقدم عن سيدنا عيسى {إن هو إلا عبد أنعمنا عليه وجعلناه مثل لبني إسرائيل} تقليل من شأنه جاء بعد ذلك قوله تعالى: {ولما جاء عيسى بالبينات قال .. } لبني إسرائيل: {قد جئتكم بالحكمة ولأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه .. } وهذه علامة أيضا على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم {فاتقوا الله وأطيعون .. }؛ لأنهم لما سألوه عن بعض الأشياء قال: هذه ليست لي، سيأتي لكم نبي آخر هو أحمد هو الذي سيخبركم بهذا ويجيبكم عما سألتم عنه {ولأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه فاتقوا الله وأطيعون إن الله ربي وربكم

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير