تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وعليه فالحاجة ماسة إلى علوم اجتماعية من منظور إسلامي، أو قل إن شئت علوم اجتماعية تسترشد بالوحي الخاتم الذي لا يزال غضا طريا كما أنزل قال تعالى:" إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون" الحجر 9، إنه القرآن الكريم الذي أنزله الله على خاتم رسله وجعل من أهم خصائصه إلى جانب الحفظ انه مصدق لما سبقه ومهيمن عليه قال تعالى:" وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه" المائدة 48،وهو بذلك حجة على غيره، وما عداه مفتقر إليه. إن القرآن جاء:"مصدقا للكتب السابقة في أصولها السماوية ومعيارا مصوبا لما داخلها من التحريف و التبديل فكان الإيمان بالرسول محمد صلى الله عليه وسلم إيمانا بالنبوة كلها عبر تاريخ البشرية الطويل"

وهنا ينشأ السؤال التالي: هل يمكن لهذه العودة أن تنطلق من القرآن دون أن تنتفع بما كتبه أهل التفسير؟ هل يمكن تجاوز كل ما قاله المفسرون بدعوى الاتصال المباشر بالقرآن ورفع الحواجز التي تحول بين الناس وبين هذا الكتاب؟ إن مثل هذه الدعوات، رغم كل الشبهات التي يمكن أن تتقوى بها، تضرب في العمق مبدأ تكامل العلوم. إننا في كل عمل علمي نحتاج إلى معرفة ما قاله أهل الاختصاص في الأمر المبحوث عنه وهو المبدأ الذي يرشد إليه قوله تعالى:" فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون" النحل 43، وكل أهل اختصاص هو أهل الذكر فيه، وأي تأصيل لأي شيء من القرآن يتجاوز أهل التفسير هو تجاوز لأهل الذكر في التفسير وهم علماء التفسير، إلا أن الدعوة إلى الانتفاع بجهود علماء التفسير لا تعني أبدا التقيد بما قالوه .. ثم إن علماء التفسير قد استفادوا من علوم عديدة وهم فيها عالة على غيرهم، فيجب بالمقابل أن تحفظ رتبتهم ومنزلنهم في أي بحث له صلة بالقرآن الكريم ماداموا أشد الناس التصاقا بالقرآن.

فإذا سلمنا بأن الذي لا يزال يمنحنا الإمكان الحضاري والقدرة على إحداث النقلة النوعية هو القرآن الكريم، ما دامت قوة الأمة في حفظ مرجعيتها، فإن المدخل الأساسي لتلك التعاليم هو علم التفسير. فلا يمكن بأي حال من الأحوال القول بدعوى الاتصال المباشر بالكتاب دون الحاجة إلى العودة إلى أقوال أهل التفسير، لأن النتيجة المترتبة على ذلك هي الوقوع في الطامات الدالة على الجهل التام بتراث الأمة الذي راكمته في صلتها بالقرآن والسنة.

من اجل ذلك كانت هذه الورقة للحديث عن اتجاه في التفسير وجب الانتفاع باستنتاجاته في أي تأصيل للعلوم الاجتماعية من منظور إسلامي.

2 ـ تعريف العلوم الاجتماعية ومظانها في القرآن

تعرف العلوم الاجتماعية بأنها المناهج العلمية التي تدرس أصول نشأة المجتمعات البشرية والمؤسسات ومختلف العلاقات والروابط الاجتماعية و كذا المبادئ المؤسسة للحياة الاجتماعية. وتشمل العلوم الاجتماعية علم الاجتماع، وعلم النفس، والعلوم السياسية، و الاقتصاد، و التاريخ، والقانون،، وعلم الإجرام، و علم النفس الاجتماعي و الانتروبولوجيا، ...

و المتأمل في القرآن الكريم يجد مساحة واسعة ذات الصلة بهذه العلوم. وإلى هذا المعنى يشير عماد الدين خليل في حديثه عن التاريخ مثلا من بين العلوم الاجتماعية، فيقول:" إن ثمة حقيقة أساسية تبرز واضحة في القرآن الكريم، تلك هي أن مساحة كبيرة في سوره وآياته قد خصصت المسألة التاريخية التي تأخذ أبعادا واتجاهات مختلفة وتتدرج بين العرض المباشر والسرد القصصي الواقعي لتجارب عدد من المجتمعات البشرية وبين استخلاص يتميز بالتركيز والكثافة للسنن التاريخية التي تحكم حركة الجماعات عبر الزمان والمكان مرورا بمواقف الإنسان المغايرة من الطبيعة والعالم وبالصيغ الحضارية التي لا حصر لها ... و تبلغ هذه المسألة حدا من الثقل و الاتساع في القرآن الكريم بحيث إن جل سوره لا تكاد تخلو من عرض لواقعة تاريخية أو إشارة سريعة لحدث ما أو تأكيد على قانون أو سنة تتشكل بموجبها حركة التاريخ"

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير