تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

" وإذا ما أضفنا إلى المساحة التاريخية الواسعة في القرآن مسألة أخرى ترتبط بالتاريخ ارتباطا عضويا لأنها ملامسة وتعقيب وتعليق وإعادة صياغة وتوجيه لحشد من الوقائع التاريخية تلك الآيات القرآنية التي يحدثنا عنها المفسرون في موضوع أسباب النزول والتي جاءت في أعقاب عدد كبير من أحداث السيرة لكي تعلق وتفند وتلامس وتبني وتوجه وتصوغ انطلاقا من هذه الأحداث التي لم تبرد دماؤها بعد سواء على مسرح الأرض أم في حس الجماعة والإنسان المسلم ... إذا ما أضفنا هذه الآيات المنبثة في ثنايا القرآن، والتي تختص بها أحيانا مقاطع طويلة وسور كاملة استطعنا أن نتبين أكثر فأكثر أبعاد المساحات الشاملة التي منحها القرآن الكريم للمسألة التاريخية. ّ." أي سورة قرأت، أي صفحة شاهدت، طالعتك هذه العروض والإشارات المسهبة أو الموجزة إلى مواقف تاريخية"

ويشكل القصص القرآني أبرز مساحة تارخية اجتماعية، وهذا ما جعل احد الباحثين يشبهه بالمختبرات البشرية يقول: "إن ما ورد في القصص القرآني، يشكل مختبرات بشرية خالدة مجردة عن حدود الزمان والمكان من الناحية الاجتماعية كما يشكل منجما لاغتراف الثقافة الاجتماعية و العلوم الاجتماعية ... "

وبنحو ذلك تحدث عمر عبيد حسنة عن القصص القرآني بأن القرآن جعل منه " المختبر البشري التاريخي لصدقية ويقينية واطراد القوانين والسنن الاجتماعية التي أكدها القرآن وأوقف عليها الأمة الخاتمة لتتبين قوانين السقوط والنهوض وتأخذ العبرة والعظة وتتحقق الوقاية الحضارية مهتدية بقوله تعالى:" قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كانت عاقبة المكذبين هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين" آل عمران 137

إن نصوص الوحي المعصومة تحدثت عن مجتمع الأنبياء والعوامل النفسية و المادية على شكل معادلات اجتماعية أشبه ما تكون بمعادلات العلوم المادية بل لقد تجاوزت الحقائق اليقينية التي تترتب على المقدمات في العلوم المادية إلى الكلام عن العواقب والمآلات التي سوف تنتهي إليها المجتمعات التي تتحكم فيها بعض العادات و الممارسات المفضية إلى الهلاك.

إن طلب السير في الأرض والنظر في العواقب والمآلات جعله النص الإلهي من الفروض الكفائية التي تفضي إلى التبين و التبصر والاهتداء إلى السنن الاجتماعية في السقوط والنهوض، واختزال التاريخ الإنساني وتحقيق الاعتبار وإضافته إلى عمر الأمة المسلمة وتجربتها لتحقق بذلك الوقاية الحضارية وتتعظ بأحوال السابقين."

الخلاصة هي أن المادة الاجتماعية في القرآن الكريم واسعة ومظانها كثيرة ونشير هنا بإجمال إلى بعضها:

1 - آيات الأحكام الاعتقادية التي تشكل المرجع والمؤطر العقدي للفكر والعمل، وتبين العلاقة التي تربط العقيدة بنوازع الإنسان إلى الفعل، وإلى أي حد يكون السلوك اعتقاديا وتكون العقائد سلوكية، وتكشف عن مدى تبعية الموقفين العملي والفكري للموقف العقدي وعن كونهما الواقع الحركي المجسد للعقيدة، وتمكننا فيما بعد من تسليط الضوء على الوظيفة الاجتماعية للعقيدة، ومعرفة الوجه الذي تكون به الإرادة الحضارية طوعا لها.

2 - آيات الأحكام الشرعية العملية التي هي أشبه ما تكون بوصفات الحمية والأدوية المتوفرة لكل الأدواء الممكنة الوقوع، والحالات التي قد يكون عليها المريض، فهي من جهة تسهر على وقاية النظام الاجتماعي من السقوط في براثين الأوحال الحضارية ومن جهة أخرى توفر في حالة تعثره أو سقوطه العلاجات المناسبة.

3ـ الآداب والأخلاق الاجتماعية المثلى والتخلقات الحسنة التي ينبغي احتذاؤها في جانب المعاملات، وهو جانب يمنح للإنسان قاعدة صلبة تمكنه من الانطلاق بقوة إلى اتخاذ المواقف الصحيحة في الحياة الاجتماعية على اختلاف وتنوع مظاهرها. ويتعلق الأمر أيضا بما تنطوي عليه العديد من الآيات من فوائد عملية تدل عليها المعاني التبعية التي أودعها الله فيها.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير