ولذلك وصف ربنا سبحانه المتقين الذين أُعِدَّتْ لهم الجنةُ في أكثر من موضع في القرآن بكثرة استغفارهم وأثنى عليهم بأنهم يستغفرون الله إذا غفلوا وعصوا فيتطهرون باستغفارهم مما لحقهم من أدران المعاصي ومن ذلك قوله تعالى (وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ) وقوله (أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ) وبيَّن الله أنه يغفر لهم جزاء استغفارهم وتوبتهم إليه قال الله تعالى (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ).
3 - ومن أسباب المغفرة:
أ – وجل القلب من ذكر الله تعالى. ب- ازدياد الإيمان بسماع القرآن.
جـ- التوكل على الله. د- إقام الصلاة هـ- الإنفاق في سبيل الله.
فهذه الصفات الخمس من اتصف بها مجتمعةً كان مؤمناً حقاً كما نصَّ الله على ذلك في كتابه بقوله (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ).
مع أنَّ القرآن نصَّ على مغفرة الله لمن اتصف ببعضها كالإنفاق في سبيل الله فقد قال اللهُ فيه (إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ)
4 - ومن أسباب المغفرة في القرآن تقوى الله بفعل مأموراته واجتناب محارمه ومحظوراته , قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) وقال سبحانه (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرً).
5 - ومن أسباب المغفرة في القرآن الإسلامُ بعد الكفرِ قال الله تعالى (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ) فكلُّ من دانَ بدين الإسلامِ فإنَّ الله يغفر له ما كان منه قبل إسلامه وفي مسند الإمام أحمدَ أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (إنَّ الإسلامَ يجُبُّ ما كان قبله من الذنوبِ) وفي الحديثِ أنَّهُ أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم رجلٌ فقال:
أرأيت من عمل الذنوب كلها ولم يترك منها شيئا وهو في ذلك لم يترك حاجة ولا داجة إلا أتاها فهل لذلك من توبة.؟
قال: صلى الله عليه وسلم: فهل أسلمت
قال: أما أنا فأشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله.
قال صلى الله عليه وسلم: تفعل الخيرات وتترك السيئات فيجعلهن الله لك خيرات كلهن.
قال وغدراتي وفجراتي.!
قال صلى الله عليه وسلم: نعم
قال: الله أكبر فما زال يكبر حتى توارى.رواه الطبراني والبزار وصححه الألباني رحم الله الجميع
6 - ومن أسباب المغفرة في القرآن كذلك الاستقامة بعد الضلالة والتوبة بعد العصيان, فالتوبة كذلك تجُب ما كان قبلها قال تعالى (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا) فمن تاب لله تاب الله عليه مهما أسرف وشطَّ , والتائبُ على الله مغفورٌ له بدلالة الآية السابقة وغيرها من آيات القرآن كقول الله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ) و (عسى) حيثما جاءت في القرآن فهي متحققة الوقوع بخلاف (لعلَّ).
¥