تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

بل لا أدلَّ على كرم الله وحلمه بعباده من أنَّ تائبَهم إذا قبِل اللهُ توبتَه جعلَ معاصيه وفجراته السابقةَ حسناتٍ ترتفع بها درجاتُه وتكثر بها حسناتُه ذلك أنه كلما تذكر ما مضى ندم واسترجع واستغفر الله حسرةً منه على ماضيه وغفلته، فينقلب الذنب السابقُ طاعةً لله تعالى بهذا الاعتبار , قال الله تعالى (إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا)

7 - ومن أسباب المغفرة في القرآن حرصُ المسلمِ على أن لا يقترف كبيرةً من كبائر الذنوب التي جاء الوعيد من الله أو رسوله صلى الله عليه وسلم أو منهما في مرتكبها على القول بانقسام الذنوب إلى صغائرَ وكبائرَ , قال الله تعالى (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا) وصغائر الذنوب لا يسلمُ منها أحدٌ مهما بلغ من الإيمان والطاعة لله لأنَّ من اجتمع له ترك الصغائر والكبائر بالكلية فهو معصومٌ, ولا عصمة لأحدٍ بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم , وفي السنَّة النبوية جاء ما يدل على أن من اجتهد في مجانبة الوقيعة في كبائر الذنوب أن الله يتجاوز له عن صغائرها كما في الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم قال «الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر» وقال صلى الله عليه وسلم في الصحيح كذلك «ما من امرىء مسلم تحضره صلاة مكتوبة فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب ما لم يأت كبيرة وذلك الدهر كله»

8 - ومن أسباب المغفرة في القرآن العفوُ عند المقدرة والتمكنِ من مصالح عباد الله كما جاء في قصة الإفك لما حلف الصديق رضي الله عنه ألا ينفع مِسْطَح بن أثاثة رضي الله عنه بنافعة بعدما قال في عائشة ما قال مما أشاعه المنافقون فأنزل الله تعالى قوله (وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) فمن عفا عن عباد الله عفا الله عنه ومن يسَّر عليهم يسَّر الله عليه , ولذلك أدرك الصديقُ هذا السبب فأرجع نفقته على مسطح وهو يقول مجيباً لله تعالى: بلى، والله إنا نحب يا ربنا أن تغفر لنا.

9 - ومن أسباب المغفرة في القرآن السبقُ إلى الطاعات عموماً , فإن الله يحب التنافس في السبق على مرضاته كما قال (وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ) ولا يكون التنافس فيه إلا بالتسابق في الطاعة ,ودليل هذا السبب أنَّ مؤمني بني إسرائيلَ لمَّا هددهم فرعونُ بالتقتيل والتمثيل بهم حكى الله عنهم أنهم قالوا له (إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ) فبنوا طمعهم في مغفرة الله تعالى لهم على سبقهم إلى الإيمان وكونهم أولَ المؤمنين.

10 - ومن أسباب المغفرة في القرآن الاعترافُ بالذنب والتذلل لله وصدق الضراعة له فإنّ موسى عليه السلامُ حينَ قتل الرجلَ ندمَ على قتله وتضرَّع إلى الله معترفاً بذنبه فقال الله عنه (قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)

11 - ومن أسباب المغفرة في القرآن السدادُ في القول مع تقوى الله وذلك بأن لا يقول المسلمُ إلا حقاً وعدلاً ولا يشهد بما لا علم له به ولا يفتي بما يجهله ولا يرمي أحداً بزور ولا يأتي شيئا من منكر الأقوال عموماً فمن اتقى الله وعمل بذلك فقد وعده الله بالمغفرة بقوله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا *يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ)

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير