وما اختلاف المتقدمين والمتأخرين في القول بالنسخ إلا اختلاف اصطلاحي فهناك من يرى تخصيص آية بكونه نسخا جزئيا لها وهناك من ينظر إلى تعميم ما خصص بكونه نسخا أيضا وما أجمع المتأخرون إلا على بعض الآيات بكونها منسوخة وهي لا تعد إلا أقل من أصابع اليد الواحدة ومع ذلك فاتهم بأن ما أطلقوا عليه القول بالنسخ ما هو إلا مجرد تدرج في الأحكام، وإذا ما علمنا بأن التدرج في الأحكام سنة إلهية لا تنفك عن باقي السنن، أدركنا كيف تتشابه دلالات الآيات عند الناس وما يعقلها ويحكم ضبط دلالاتها إلا الراسخون في العلم المتصلون ببحبوحة الغيب يقتنصون جواهر بحرها ليخرجوها للناس لآلئ نيرة لا يمتلك من رآها إلا الإذعان للحق بعد ما تبين له؛ وليعرب لسانه بكونها فهما جديدا قريب عهد بربه من جراء السكينة التي استحوذت على نفسه وجوارحه وغمرت قلبه طمأنينة.
2. قضية الأسماء الله الحسنى
من يريد الله به خيرا يفقهه في الدين ويعلمه التأويل، وقضية الأسماء الله الحسنى هي قضية صارخة في كتاب الله ومن وقف مع تعظيم الحرمات الربانية وبخاصة صفة الحكمة لديه سبحانه وتعالى وضع يده على حكمة الحكيم في كل شيء، فضلا عن استمطار فضله وفيضه سبحانه وتعالى وهو الكريم الذي لا يخيب من رجاه.
وهذا ما يجعل كتاباتنا في الظرف الراهن محل أخذ ورد، لكونها خرجت على الناس بمفاهيم مغايرة لما عهده الناس طوال قرون متطاولة.
3. عدم الفهم عن الله قوانين أفعاله:
كما جاء في قولكم تعليقا على قوله ? كذلك كدنا ليوسف ? يوسف 76 ومن المثاني معه قوله ? لا يستطيعون حيلة ? النساء 98 ويعني صحة الحديث النبوي أن الله يلوم على العجز ومنه ترك الحيلة الموصلة إلى الغاية الشرعية.
ومعلوم من أفعال الله بأنها تأتي جزاء وفاقا ومن جنس عمل العبد إلا فيما لا يليق به سبحانه وتعالى من خيانة وغيرها. والمكر يقابله مكرا من الله، بل الله أشد مكرا. والمكر الأول ظلم والثاني من الله عدل، والاستهزاء يقابله استهزاء من الله فكيف نرغب المؤمنين ولوج دروب المكر والكيد دون مراعاة ما يترتب عنها من جزاء رباني.
وتقييدكم للحيلة بالغاية الشرعية، فيه نظر، فجل ما جاءتنا من مصائب عرجت بنا بعيدا عن النصوص القرآنية بفهم متفتح مستنير بنور الله ما دخل علينا إلا من جانب المصالح المرسلة والتي تسربت لنا عبر ما يسمونه الدراسة المقاصدية. والمتتبع لأسس بنائها لتستوقفه ضوابطها وبخاصة ما اشترطه الإمام الشاطبي رحمه الله في كون الأمر الابتدائي التصريحي - دون ما لا يتم الواجب إلا به – هو وحده الدال على الضروريات. وطبعا هذا ما لا تسلمه له الدلالة اللغوية. ثم حينما نمسك بالعصا السحرية للدراسة المقاصدية لم نستطيع الإحاطة بكل ما يجري في الكون لإدخاله حوزة الشرع ...
والدراسة المقاصدية بما أوتيت من سعة واطلاع ما جاءت إلا بعد أن تساءل الفقهاء كيف تحكم النصوص المعدودة والمحدودة أفعال المخلوقين والتي لا عد لها ولا حصر؟ وجاءتنا المصلحة المرسلة بطوام لا زالت تحكم مجتمعاتنا وتقيد أيادي وفكر منتقدي الأنظمة الحاكمة ...
فمن لم يدرك سنن الله في أفعاله ولم يطالع ما جاءت من عهود ربانية في قرآنه بقراءة واعية في كونه بعين ناقدة ورؤية ثاقبة، أوشك أن يتقول على الله في جل ما يكتب، فضلا عن تيهه بحثا عن ضوابط لأفعال العباد، وما درى المسكين بأن عهود الله لم تترك الأمر سدى وأنها هي الضوابط لكل العلوم والمعارف مهما تنوعت، كما هي أسس العلوم السياسية والتي عجز البشر عن إدراك ضوابطها فأرجعوها ضمن جملة الفنون فقالوا: " السياسة فن الممكن ".
4ـ قضية الدراسة المصطلحية
إن الدراسات المصطلحية لتأتينا بالعجائب، ذلك لكون القرآن الكريم لا زالت أرضيته بكرا لم تحرث، فعجائبه لا تنتهي. والمتمعن في كلام الله كلما أطال النظر فيه إلا وأمده بمدد الغيب، وفضل الله لا يحجر، ويداه مبسوطتان تنفق كيف يشاء.
فمثلا مصطلح " أمة " يدل على جماعة من الناس {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [النحل: 120]
كما يدل على الواحد بدليل: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [النحل: 120]
¥