فما جعل الله للكافرين على المؤمنين من سبيل، إلا إذا كان بعضهم يهلك بعضا وبعضهم يسبي بعضا وفق وعده في الحديث القدسي: " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سأل ربه أن لا يُهلك أمته بسنة عامة فأعطاه ذلك، وسأله أن لا يسلط عليهم عدوا من غيرهم فأعطاه ذلك، وسأله لا يجعل بأسهم بينهم فلم يُعطَ ذلك وأخبر أن الله لا يسلط عليهم عدوا من غيرهم يغلبهم كلهم حتى يكون بعضهم يقتل بعضا وبعضهم يسبي بعضا. ".
فهل تأتى للإخوة وضع اليد على أصل الجرح ليفقهوا سنن الله في كونه وقرآنه لكون سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر، وليجددوا العزم مع الله في توبة صادقة ويئوبوا إلى رشدهم لعل الله يجعل بعد ذلك أمرا.
وهذا ما يؤهلنا للحديث عن سنن الله القرآنية منها والكونية، أو بعبارة أخرى كيف ننظر من زاوية إقرأ باسم ربك؟ وهي النقطة الثانية التي أسعى لبيانها في الجانب الشكلي، وقبل ذلك لا بد من إثارة أثر النقطة الأولى في كشف ما التبس فيه الفهم في المضمون والتفسير وهذه خلاصة لما تقدم بيانه:
1. ما أردت بيانه مما سبق هو التأكيد على قوله تعالى {َقلَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِندَ اللَّهِ} [الأحقاف: 23] و [الملك: 26]؛
2. بأن لا سبيل لبلوغ وإدراك ما عند الله إلا بالاستمداد من فضل خزائن رب عزيز وهاب؛
3. اعتمدتم المنهجية العلمية وسبيل التفسير الموضوعي فقد تنكشف به أمور استطاعت أن تبقى في الظل لقرون متطاولة، كما قد تلتبس عليكم بعض مفاهيم المتشابه من القرآن؛ أو تتبنون ما حنط من المفاهيم القرآنية، كما سيأتي في النقطة اللاحقة؛
4. رغم قراءتكم النقدية بعين فاحصة، استمتم في القول بوجود النسخ في آيات التشريع القرآنية!!! وهو ما يبين أنكم لا تسلطون الأضواء لكل ما يمر تحت شاشة البصر ... ؛
5. لا جدوى من مناقشة مفسرين اختلفت بيننا وبينهم مسافات الزمان والمكان وتغيرت الظروف والملابسات، وصدق ابن معط في قوله: " والحي يغلب ألف ميت " وإنما المرء يبرز ما أفاض الله عليه من فيضه وفضله، دون أن ينسب ذلك إلى جهده وعلمه كما فعل قارون.
القسم الثاني: التفسير والمضمون
! ـ قضية نسخ القرآن:
تتطلب دراسة الآيات القرآنية دراسة تمحيصية ليستيقن المؤمن جزما يقينا بأن في القرآن آية كونية واحدة نسخت لا غير وهي ما تشير إليه دلالة قوله تعالى: {الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلاَّ نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّىَ يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جَاءكُمْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} [آل عمران: 183] فبعدما قتلوا الأنبياء صار الأمر عبثا وتعالى الله عن اللعب والعبثية في كونه وقانونه؛ إذ لا وجود لها إلا في دواوين البشر وقوانينهم التائهة عن سبيل الله.
والنسخ سواء كان بمعنى المحو والإزالة، أو بمعنى النسخ والنقل. كما ينبغي التفريق بين ما جاء به القرآن نقلا عن الكتب السابقة من توراة وإنجيل وصحف إبراهيم وزبور داوود (عليهم جميعا السلام) هو ما جاء ضمن آيات النسخ من " مثلها " لقد أنسيت صحف إبراهيم، وزبور داود، هذا إن جاء معنى قوله تعالى " ننسها " بمعنى النسيان وقد يكون بمعنى النسيء وهو التأخير والقرآن بجملته جاء مؤخرا عن الكتب السابقة وما جاء به من مستجدات الأحكام كانت طبعا خيرا من سابقتها.
وإذا تيسر الأمر وهان الخطب، فلم التقول على كتاب الله؛ إذ ليس هناك دليل قاطع بكون آية الفلانية نسخت نسخا يرفع به حكمها وتبقى مع ذلك مسطورة في المصحف؟ ولا العكس فليست هناك آية قيل أنها كانت من القرآن ثم حذفت بالنسخ، بل بمجرد اعتقاد هذا الأمر أو ذاك يطعن المرء في حفظ الله لكتابه من التحريف وهو بالتالي أضحي طعنا في صدق القرآن. وهكذا تكشف القراءة باسم ربك الزيغ والانحراف، والخروج عن سواء السبيل. ولا يعتبر مع هذا قول قائل وإن علت رتبته مكانة بين الأصحاب رضي الله عنهم، فقد ثبت عنهم كما في مصحف ابن مسعود اعتبار سورتي المعوذتين مجرد أدعية سنية ...
¥