غير أني آثرت مصطلح " التحولات"لما فيه من الجدة والطرافة لا سيما أن مصطلح الالتفات عند ابن الأثير لم يكن محل اتفاق عند علماء البلاغة، كما هو معلوم من مصنفاتهم، فكان مصطلح التحولات أوسع وأشمل لكل أنواع التحولات الحادثة في السياق القرآني
والتحولات في السياق القرآني ظاهرة بارزة تشمل كل مظاهر التحولات في الأفعال والحروف والتراكيب والصور والمشاهد.
وما يعنينا في هذا البحث هو التحولات في الأفعال على وجه الخصوص.
فهو موضوع طريف لم يستوعب بالدراسة والبحث وتصنيف الصور والتحليل لكل هذه الصور واستنباط الأبعاد البلاغية المقصودة لهذه التحولات في أزمنة الفعل.
وقد جاءت خطة البحث على النحو الآتي:
مقدمة: عرضت فيها لأهمية البحث ودواعي دراسته.
المبحث الأول: صيغ الأفعال عند النحاة.
المبحث الثاني: صور التحولات في الأفعال.
ثم ختمت البحث بخاتمة ذكرت فيها أهم ماتوصلت إليه من نتائج وتوصيات.
والله أسأل عز وجل أن يكتب لي أجر هذا العمل، وأن يجعله خالصا لوجهه الكريم، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وعليه فليتوكل المتوكلون.
المبحث الأول: صيغ الأفعال عند النحاة:-
قسم النحاة الفعل ثلاثة أقسام هي: "ماضٍ وهو ما دل على الزمن الماضي، ومضارع وهو ما دل على زمن الحاضر أو المستقبل، وجعلوا القسم الثالث وهو الأمر يدخل ضمن الدلالة على زمن المستقبل" ().
وفي تقسيمهم هذا انطلقوا من أن الأزمان ثلاثة: ماضٍ وحاضر ومستقبل، يقول سيبويه (ت 180هـ): "وأما الفعل فأمثلة أخذت من لفظ أحداث الأسماء، وبنيت لما مضى، ولما يكون ولم يقع، وما هو كائن لم ينقطع" ().
"فالنحاة قسموا الفعل على أساس تقسيم الزمن الفلسفي، وهو الماضي والحاضر والمستقبل، وخصوا كل زمن بصيغة معينة، هو معناها في حالة الإفراد والتساوق على السواء" ().
وقد انتقد بعض الباحثين المعاصرين النحاة لتركيزهم على الزمن في صيغة الفعل، وإهمال السياق الذي وردت فيه، فيرى فاضل الساقي (): "أنه كان على النحاة أن يدركوا أن الأفعال مجرد صيغ وألفاظ تدل على زمن ما، هو جزء من معنى الصيغة لا على زمن معين، وأن السياق أو الظروف القولية بقرائنها اللفظية والحالية هي وحدها التي تعين الدلالة الزمنية وترشحها لزمن بعينه".
وعليه فقد قسم هؤلاء الباحثون () الزمن على نوعين هما:
أولاً: الزمن الصرفي وهو الزمن الذي تدل عليه الصيغة المفردة خارج السياق.
ثانياً: الزمن النحوي، أو يسمى "الزمن السياقي التركيبي" "وهو الذي تُحَدِّده القرينة اللفظية أو الحالية، أي: هو معنى الفعل في السياق" ().
وللمقارنة بين الزمن النحوي والزمن الصرفي يمكن القول: إن "مجال النظر في الزمن النحوي هو السياق، وليس الصيغة المفردة، وبناء الجملة العربية أخصب مجال لهذا النظر بينما لا يكون مجال النظر في الزمن الصرفي إلا الصيغة منفردة خارج السياق" ().
ويرى مالك المطلبي: "أن الصيغ في اللغة العربية تخلو من الدلالة على زمن في المستوى الصرفي" (). وأن "وقوع الصيغ المتغايرة في مستوى تركيبي واحد يعني تفريغ صيغة ما، دون غيرها من الزمن حيث تشير إلى وجه من وجوه دلالتها الحدثية، ومن هنا يكون من الخطأ إسناد الزمن إلى مثل هذه الصيغ بوصفها "شكلاً زمنياً"؛ لأن الزمن يكتسب من قرائن السياق اللفظية والمعنوية" ().
ويرى الباحث أن دلالة السياق على الزمن النحوي لا تنفصل عن دلالة المفردة للصيغة الصرفية، فهما متعالقتان، وأن الصيغة الصرفية لا تخلو من دلالة زمنية، غير أن السياق يضفي دلالة إضافية للدلالة الصرفية المفردة يحددها السياق نفسه، فيُجمع بين الدلالتين، ولا تلغي إحدى الدلالتين الأخرى، أو تفرغها من محتواها.
فمن ذلك مثلاً: الفعل "أتى" في قوله تعالى: ?أَتَى أَمْرُ اللّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ? [النحل، 1]. يدل بصيغته الصرفية على المضي المطلق، في زمن مضى وانقضى، إلا أن وروده في السياق "يفرض عليه دلالة سياقية يقتضيها السياق ويدل عليها، وهي دلالة الاستقبال؛ لأن القرينة اللفظية "فلا تستعجلوه" في السياق النحوي التركيبي تشير إشارة واضحة جلية إلى أنه لما يقع بعد. ومع كونه فعلاً ماضياً في الصيغة الصرفية، فإننا لا نفرغ هذه الصيغة الصرفية من دلالتها الزمنية ولا نخضعها للدلالة السياقية فقط، كما ذهب إلى ذلك بعض الباحثين، إذ لو كان ذلك هو
¥