1) وتبدأ أهمية هذا الموضوع من عبارة مشكلة يعرفها الجميع وهي عبارة الإمام أحمد التي يقول فيها " ثلاثة كتب ليس لها أصول: المغازي والملاحم والتفسير "
البدء بنفي فهمين باطلين لهذه العبارة:
الفهم الأول: أن الإمام أحمد يعني بهذه العبارة أن كل ما ورد في التفسير لا يصح
الفهم الثاني: ما وصل إلينا من مرويات التفسير لا يقوم ببيان الفهم النبوي الذي بلغه النبي للصحابة، (فهم النبي للقرآن وتبليغه للصحابة)
إذن نتفق بعد هذا التقرير على أن الروايات التفسيرية الموجودة كافية في بيان المراد الذي أراد الله من كتابه والذي فهمه النبي ?
2) هناك خلل كبير في فهم حقيقة القبول، وهذا الخلل بعضه قديم وأكثره معاصر؛ لأن بعض الناس صار يظن أن قبول الخبر يعني تحقق شروط قبول الخبر الموجودة في علم من العلوم، فمثلا يريد أن يطبق منهج نقد السنة النبوية على القراءات فيقع في خلل كبير، يريد أن يطبق منهج نقد السنة النبوية على الأدب والشعر فيدخل في نفق طويل ومظلم ويشكك في الشعر الجاهلي أكثر مما شكك فيه طه حسين
لم حدث هذا الخلل؟ لأن البعض صار يظن أن القبول هو تحقق شروط القبول وفق منهج معين، مع أن حقيقة القبول لا علاقة لها بهذه الشروط التي ترسخت في الذهن وظننا أنها هي فقط حقيقة القبول.
وكان المحدثون يفرقون بين شروط قبول الحديث النبوي وبين تحقق القبول سواء في الحديث النبوي أو في غيره من العلوم الشرعية.
وأضرب لكم أمثلة على ذلك:
مثلا الإمام الأوزاعي سئل عن المناولة – أن يناول الشيخ الطالب الكتاب – فقال: أتدين بها ولا أحدث بها.
إذن فكرة القبول عندنا يجب أن تكون أوسع من فكرة شروط الحديث الصحيح التي اعتبرها المحدثون شرطا لقبول الحديث عن النبي ?، فالقبول ليس هو شروط القبول، ولذلك ينبغي علينا عند دراسة هذه المسألة أن نلاحظ هذه القضية
3) العلوم متباينة في شرو ط قبولها وهي وإن اتفقت من حيث كونها منقولة لكن وسائل نقدها مختلفة، ويدل على ذلك أشياء لو لم يكن منها إلا أن المحدثين - الذين نود ان نتحاكم إليهم – كانوا يرجعون في اللغة إلى أئمة اللغة، وفي التاريخ إلى أئمة التاريخ، فلو كان منهج المحدثين في نقد السنة النبوية في نقد العلوم يصلح أن يطبق في كل العلوم لأصبح المحدثون هم أعلم الناس باللغة وأعلم الناس بالتاريخ وأعلم الناس بكل المنقولات، والواقع أن هذا غير صحيح.
ومما يدل على ذلك أيضا أن المحدثين الذين جمعوا بين فنون عديدة، من كان إذا ألف كتابا في الحديث طبق عليه قواعد نقد الحديث، وإذا ألف كتابا في اللغة طبق عليه قواعد اللغة
من الأشياء التي أدت للخلل في هذا الباب أن المنقولات في التراث الإسلامي اصطبغت بصبغة واحدة وهي الإسناد، فيظن كثير من الناس أن مجرد ذكر الإسناد يلزم منه أن يكون منهج القبول منهجا موحدا لأنها فيها إسناد، وهذا غير صحيح؛ لأن الغرض من ذكر الإسناد لم يكن دائما من أجل أن يكون هو مجال النقد للأخبار، وإنما كان أهم سبب لذكر الإسناد أنه كان وسيلة العزو والأمانة العلمية، يعني مثل ما نعزو نحن الآن للكتب، فكان الواحد منهم إذا أراد أن يعزو كانت وسيلة العزو هي الإسناد، فليس المقصود من ذكر الإسناد هو أن يكون دائما هو وسيلة نقد المنقول، وإنما هو وسيلة العزو والإحالة وبيان المصدر
لماذا يختلف منهج نقد المنقولات والأخبار مع أنها جميعا أخبار؟
هذا يرجع إلى أربعة أصول أساسية:
الأصل الأول: عظم أثر الخبر على مُتلَقِّيه أو ضعف أثره عليه مما يُكسِبُه قدره من الأهمية عند المتلقي بقدر أثره، فالخبر كلما كان أثره كبيرا عليك وله أهمية كبيرة كلما استوجب من التحري ما لا يستوجبه ما هو أقل منه، وهذا أمر واضح وندركه في انفسنا، وهذا منطبق تماما على المنقولات
الأصل الثاني: اختلاف المقصد من نقل الخبر، فإن كان المقصود من نقل الخبر إثبات نسبته إلى قائله فهذا يختلف عما إذا كان المقصود من نقل الخبر هو بيان منهج كلي مثلا
¥