خامساً: مرحلة تنكيس الرؤوس، والإعلان الصريح بأنهم على استعداد تام لسماع كل أمرٍ وتنفيذه: (وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُؤُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحا إِنَّا مُوقِنُونَ).
وهذه الحال تحتاج إلى مزيد نظر، إذ قد ينازع منازع في إدخالها في أحوال الجوارح، والذي ظهر لي بعد تأمل أنها داخلة في هذا الموضوع؛ لأن أصحاب هذه الحاسة (حاسة السمع) أبدوا استعدادهم لتقبل ما يلقى إليهم والإصغاء إليه، فهو عائد إلى آذانهم وقلوبهم معاً.
سادساً: وهي مرحلة النهاية، حينما ينتهي أهل الجنة إلى نعيمهم في دارهم ـ نسأل الله من فضله ـ وأهلُ النار إلى مصيرهم ومآلهم ـ نعوذ بالله من حالهم ـ فسيسمع أهل الدارين ما يليق بحال كلٍ منهم .. ويالله! ما أعظم الفرق؟!
أما أهل الجنة، فيسمعون أول ما يسمعون عند دخولهم للجنة سيسمعون ترحيب الملائكة (لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) ... ثم لا تسل بعد ذلك عن أنواع التلذذ بخطاب الرب،وهذا ما فصلته السنة المطهرة،جعلنا الله وإياكم ـ ووالدينا ـ من أهلها.
أما أهل النار، فإن الحديث عن أنواع العذاب التي تغشاهم وهم يسمعون ما يكرهون، فأمر يفوق الوصف،وذكره في القرآن أكثر من ذكر ما يقع لأهل الجنة.
وحسبي هنا أن أشير إلى أنواع من استصراخهم،والجواب الذي يجابون به:
1 ـ وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ)، فيأتي الجواب: (أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ) (فاطر:37).
2 ـ (رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ) فيأتيهم أعظم التبكيت والتقريع ـ والعياذ بالله ـ: (قَالَ اخْسَأُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ) (المؤمنون:107 - 108).
3 ـ (وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ) هنا يذكر بعض المفسرين أن مالكا لا يجيبهم مباشرة، بل يدعهم ألف عام بعد ذلك، ثم يجيبهم فيقول لهم: إنكم ماكثون .. فما أعظم الحسرة عليهم!
ولك أن تتصور ـ أخي ـ انتظارك لخبر يترتب عليه أمرٌ كبير!
ما هي مشاعرك؟!
ما هي أحاسيسك؟!
ثم ما حال هذه المشاعر وتلك الأحاسيس عندما يأتي الأمر ـ وبعد طول انتظار ـ على عكس ما كنت تنتظره تماماً؟!
الأمر عظيم ... فإذا كان هذا في أحوال الدنيا، فما ظنك بحال هؤلاء؟! نعوذ بالله من الشقاء.
هذا ا تيسر تأمله وتدبره في هذه الحاسة (حاسة السمع) فإن يكون صواباً فالحمد لله هو أهل الفضل،وإن يكن خطأ فإني أستغفر الله منه،والحمد لله رب العالمين.