تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[الأخلاق والعبادة في القرآن]

ـ[سليمان داود]ــــــــ[16 Jun 2004, 10:33 ص]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

(وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ)

هكذا خاطب الباري جل وعلا خير خلقه بقوله: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ

عَظِيمٍ) القلم/4.

ولهذا اصطفاه سبحانه وتعالى من بين قومه جميعًا؛ ليكون رسوله إليهم، فقال جل

جلاله: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا

وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا)

الأحزاب/45 - 46.

وفي الآية الثانية من هاتين الآيتين الكريمتين شبهه- عليه الصلاة والسلام-

بالشمس (سراجًا)، والقمر (منيرًا). فالشمس ينحصر ظهورها نهارًا، والقمر

ليلاً، فكان رسول الله أعظم أثرًا؛ لأن هديه هو: (سنته)، والنور هو: (كتاب

الله)، الذي بلغه للبشر، ونورهما دائم ليلاً ونهارًا، حتى قيام الساعة.

ولن أتحدث في هذه الكلمة الموجزة عن أنواع الثناء، التي أثنى بها الباري جل

وعلا على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم. ولكنني سأتحدث عن الأخلاق في القرآن

الكريم بوجه عام، وأشير إلى اقترانها بالعبادة في سياق الآيات؛ لكي نتعرف من

خلال ذلك على مدى اهتمام القرآن الكريم بمكارم الأخلاق، التي كان يتحلى بها

العرب في جاهليتهم، والتي أرسل رسوله صلى الله عليه وسلم؛ ليتممها!!

ومن هنا يظهر لنا الهدف الأول لبعثة النبي صلى الله عليه وسلم؛ وهو تتميم

مكارم الأخلاق، كما أخبر- عليه أفضل الصلاة والسلام- عن ذلك بقوله: (إنما بعثت

لأتمم مكارم الأخلاق).

وعندما دعا سيدنا إبراهيم ربه، قال: (رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً

مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ

وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ).

لاحظوا معي: كيف قدم- عليه السلام- تعليم الكتاب والحكمة على التزكية!!

ولكن عندما قال الباري عز وجل: (كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنكُمْ

يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ

وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ)

نلاحظ أنه سبحانه وتعالى قدم التزكيه (حسن الخلق) على تعليم الكتاب والحكمة!!!

فقد وضع الله التزكيه قبل تعليم الكتاب (القرآن (، والحكمة (أحاديث النبي (

(أحاسنكم أخلاقًا، الموطئون أكنافًا، الذين يَألفون ويُؤلفون)!!!

بهذا القول أجاب عليه الصلاة والسلام قومه، بعد أن سألهم قائلاً: (ألا أخبركم

بأحبكم إلي، وأقربكم مني مجالس يوم القيامة). كررها ثلاث مرات. فقالوا: من يا

رسول الله! قال:أحاسنكم أخلاقًا00 الحديث.

فقد كان يدعو- عليه الصلاة والسلام- بقوله:" اللهم اهدني لأحسن الأخلاق ".

حتى إذا نظر في المرآة، كان يدعو، ويقول:" اللهم كما أحسنت خلقي فحسن خلقي "

بل ضمِن- عليه الصلاة والسلام- بقصر بأعلى الجنة لمن حسن خلقه. فقد قال- عليه

الصلاة والسلام-:" أنا زعيم (ضامن) ببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه ".

تأمل معي قول الله تعالى: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ

فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2 (وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ

(3) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (4) وَالَّذِينَ هُمْ

لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ

أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء

ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (7) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ

وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (8) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ

(9 (

ثم لاحظ هذا التسلسل، والتناوب في آيات سورة المؤمنين، تجد أن الله سبحانه

وتعالى يأتي بآية تدعو للعبادة تارة، وبآية تدعو لحسن الخلق تارة أخرى. فالآية

الثانية تأمرنا بالخشوع في الصلاة، والثالثة تأمرنا بعمل أخلاقي هو عدم اللغو،

ثم الآية الرابعة تأمرنا بالزكاة (عبادة)، والخامسة تحضنا على أن نحفظ فروجنا؛

لأن حفظ الفروج من مكارم الأخلاق!! ثم تتبعها الآية السابعة بخلق آخر؛ وهو حفظ

الأمانة والعهد!! وتختم ذلك كله الآية التاسعة بأمر تعبُّدي؛ وهو الخشوع في

الصلاة.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير