[هل الأسلوب القرآني فوضوي؟؟]
ـ[د. هشام عزمي]ــــــــ[05 Jul 2004, 11:25 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
كان أحد الأخوة المسلمين - و هو بريطاني لا يجيد العربية - قد تصدى في محاورة كتابية على الشبكة لأحد المنصرين البروتستانت و امتدت المناظرة لأسلوب القرآن و طريقته في البيان و ادعى المنصر أن القرآن اسلوبه فوضوي غير مرتب أو مفهوم و قد دعم كلامه هذا بشهادات بعض المستشرقين الذين سماهم بعلماء في الإسلام.
و كان رد أخينا الفاضل مفصلا و دقيقًا متضمنًا نقدًا سليمًا لهؤلاء المستشرقين و بين ان هؤلاء "العلماء" لا يوجد منهم من يجيد اللغة العربية فكيف ينتقدون أسلوب القرآن (!!) و كان ردًا موفقًا بحمد الله تعالى. . ثم طلب مني هذا الأخ أن اكتب مقالا اشرح فيه أسلوب القرآن لغير المتحدثين بالعربية و خاصة أن معظم قراء هذه المناظرة من غير المسلمين غير القادرين على تصور كتاب إلهي مختلف في أسلوبه عن الكتاب المقدس فكتبت له هذا الرد بالإنجليزية ليرفقه مع رده على المنصر و كان ردًا مفحمًا بعون الواحد المعبود.
كان هذا الأمر من عام تقريبًا و الآن وجدت أن بعضهم يثير هذه الشبهة بين النصارى العرب فرأيت أن أنقل ما كتبته بالإنجليزية إلى لغتنا الجميلة فربما يكون فيه فائدة و الله المستعان.
ـ[د. هشام عزمي]ــــــــ[05 Jul 2004, 11:28 م]ـ
يقول فضيلة الدكتور محمود السيد شيخون وكيل كلية الدراسات الإسلامية بجامعة الأزهر في كتابه (الإعجاز في نظم القرآن) في الفصل الخاص بسرد خواص الأسلوب القرآني ص 109 - 112:
الخاصية الخامسة: و هي تداخل أبحاثه و مواضيعه في معظم الأحيان. فإن من يقرأ هذا الكتاب المبين لا يجد فيه ما يجده في عامة المؤلفات و الكتب الأخرى من التنسيق و التبويب حسب المواضيع، و تصنيف البحوث مستقلة عن بعضها، و و إنما يجد عامة مواضيعه و أبحاثه لاحقة ببعضها، دونما فاصل بينها، و قد يجدها متداخلة في بعضها في كثير من السور ة الآيات.
و هذه الخاصية قد خيلت لبعض محترفي الغزو الفكري من المبشرين و المستشرقين و أذنابهم و ذيولهم ممن يدورون في فلكهم أن في القرآن ثلمة يمكن الدخول منها إلى اصطناع نقد أو محاولة تهديم، أو بث تشكيك، فأخذوا يتساءلون عن سبب هذا التداخل و التمازج في معاني القرآن، ثم راحوا يجيبون عن تساؤلهم هذا بأنها البدائية و البساطة في منهج البحث، و أن القرآن لا يعدو كونه مجموعة أفكار منتثرة أنتجها فكر إنسان.
و الحقيقة أن هذه الخاصة في القرآن الكريم، إنما هي مظهر من مظاهر تفرده، و استقلاله عن كل ما هو مألوف و معروف من طرائق البحث و التأليف، هذا شئ، و هناك شئ آخر هو أن من الخطأ في أصل النقد و البحث أن نحاكم القرآن في منهجه و أسلوبه إلى ما تواضع عليه الناس اليوم أو قبل هذا اليوم أو إلى ما سيتواضعون عليه مع تطور الزمن - من طرائق البحث و التأليف و تنسيق المعاني.
فهذا الذي يتوافق عليه الكاتبون نم تقسيم كتبهم إلى أبواب و فصول، ثم تضمين كل فصل منها لجملة معينة من الأبحاث و المعاني، ليس مرده إلى أمر إلزامي أو مثل أعلى يفرض عليهم ذلك، و إنما الأمر فيه تابع للأغراض المتعلقة به، و هو في جملته عرف يعتادوه، و طور يمرون عليه، و يجتازونه بعد حين إلى غيره، فما هي الحقيقة الثابتة التي تلزم كتاب الله تعالى في منهجه على طور من أطوار هؤلاء العباد، و أن يتبع تنسيقهم الذي يضعون، أو أن تتصنف أبحاثه و معانيه حسب المنهج الذي يشاءون؟ هذا إلى أن المناهج تتناسخ و الأساليب تتطور كما هو معروف.
على أن هذه الخاصية تابعة لحكمة عليا يدور معها المعنى القرآني كله. ذلك أن جملة ما في القرآن من مختلف المواضيع و المعاني الجزئية، إنما يدور جميعه على معنى كلي واحد، هو دعوة الناس إلى أن يكونوا عبيدًا لله بالفكر و الاختيار كما خلقهم عبيدًا له بالجبر و الاضطرار، و أن يدركوا أن أمامهم حياة ثانية بعد حياتهم هذه، و أن يستيقنوا ضآلة هذه الحياة بالنسبة لتلك في كل من خيرها و شرها و سعادتها و شقائها. فالقرآن شأنه أن يبث هذا المعنى الكلي الخطير من خلال جميع ما يعرضه من الأبحاث و المواضيع المختلفة من تشريع و وعد و وعيد، و قصة و أمثلة و وصف؛ و إنما يتحقق ذلك بهذا النسق الذي جرى عليه من
¥