تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[في ظل آية [4] فإن زللتم من بعد ما جاءتكم البينات فاعلموا ..]

ـ[أبوعبدالله المسلم]ــــــــ[06 Jun 2004, 07:07 ص]ـ

قد يظن بعض الإخوة أن الله سيسامحه إذا عصى، وذلك نظراً لالتزامه بالإسلام وانخراطه في سلك العاملين له، فتهون من أجل ذلك المعصية في نظره، ولاسيما بعد مرور وقت طويل على التزامه، وفَقْده الكثير من حماسته وحميته وغيرته الدينية، نظراً لعوامل كثيرة تمر به لا داعي لبسطها الآن .. فإذا استهان بالصغائر أو تسامح في الشبهات فإنه يجد العقوبة من الله عز وجل سريعة جداً، فيدهش لذلك! حتى أنه قد يرتكب الذنب الآن فلا تمر عدة ساعات إلا وقد عوقب بذلك الذنب عقوبة شديدة، فيحتار حينئذٍ؛ ويقول لنفسه: قد كنت أفعل مئات من أمثال هذا الذنب أو أشد منه قبل التزامي ثم لا أجد عقوبة .. أما الآن فالعقوبة سريعة ومباشرة وقوية! ولو فقه هذا الأخ دينه حقاً لعلم أن الله يغار على حرماته، ويغار أكثر إذا انتهكها أولياؤه المقربون إليه والذين هم أحق الناس بالبعد عن العاصي؛ فالذين يحملون رسالة الإسلام أولى الناس بتقوى الله والانصراف عن الصغائر والمشتبهات فضلاً عما فوقها، فهم الذين ينهون عنها فكيف يقترفونها؟ أضف إلى ذلك: الفتنة التي تحدث لعوام المسلمين إذا عرفوا ذلك ـ وهم عارفون لا محالة ـ .. وضياع مرتبة القدوة والأسوة التي يجب أن يتحلى بها هؤلاء الإخوة. ومن أجل ذلك وغيره قال تعالى: {فإن زللتم من بعد ما جاءتكم البينات فاعلموا أن الله عزيز حكيم} ([1]) .. فحساب هؤلاء حساب شديد أشد من غيرهم وأصعب ممن سواهم .. فعلى كل أخ أن يعلم علم اليقين أنه ليس بين الله وبين أحد من بني آدم ـ مهما كان شأنه ـ قرابة ولا رحم، بل هو قائم بالقسط حاكم بالعدل ..

وعلى كل أخ في الجماعة المسلمة أن يذكر نفسه بقوله تعالى: {ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءاً يجز به} ([2]) .. وهذه الآية بالذات اعتبرها بعض الصحابة أشد آية في القرآن ([3]). وأنا اعتبرها أنها أكثر آية تخوف المؤمن، وتجعل فرائصه ترتعد ..

فالآية خاطبت الصحابة، وهم من هم! فكيف بأمثالنا ممن خلطوا صالحاً وآخر سيئاً؟ إنها ناقوس الخطر يدق لينبه كل فرد في الجماعة المسلمة، فميزان العدل لا يحابي أحداً مهما كان. وهذا “بلعام بن باعوراء” وكان يعلم اسم الله الأعظم ـ كما قيل ـ فلما عصى ربه أصبح مثله كمثل الكلب، إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ([4]) ..

فالذنوب والمعاصي هي سبب كل بلاء؛ (فما نزل بلاء إلا بذنب ولا رفع إلا بتوبة)، وكان شيخ يدور في المجالس يقول: (من سرهُ أن تدوم له العافية فليتق الله) .. وقد ورد في الحديث الشريف: (إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه) ([5]) .. وقد قال بعض السلف: (تسامحت بلقمة فتناولتها، فأنا اليوم من أربعين سنةً إلى خلفٍ) .. وانقطع نَعْل “أبي عثمان النيسابوري” في مُضِيِّه إلى الجمعة، فتعوق لإصلاحه ساعة، ثم قال: (ما انقطع إلا لأني ما اغتسلت غسل الجمعة).

وقال ابن الجوزي: (ومن عجائب الجزاء في الدنيا: أنه لما امتدت أيدي الظلم من إخوة “يوسف” وشروه بثمن بخس؛ امتدت أكفهم بين يديه بالطلب يقولون “وتصدق علينا” ([6])) ([7]).

وقد تكون العقوبة معنوية، فرب شخص أطلق بصره فيما حرمه الله عليه، فحرمه الله نور بصيرته.

أو أطلق لسانه فحرمه الله صفاء قلبه. أو آثر شبهة في مطعمه فأظلم قلبه وحرم قيام الليل وصلاة المناجاة.

ومنها: أن المعصية تدل على أختها؛ فالمعصية بعد المعصية: عقاب على المعصية.

وقد يرى العاصي سلامة بدنه وماله وأهله، فيظن أن لا عقوبة؛ وغفلتُه عما عوقب به: عقوبة .. ويكفيه أن حلاوة اللذات قد استحالت علقماً وحنظلاً، ولم يبق معه إلا مرارة الأسف والهم والغمِّ والندم ..

وقد روي أن بعض أحبار بني أسرائيل رأى ربه، فقال: (يا رب! كم أعصيك ولا تعاقبني؟) فقال له: (كم أعاقبك وأنت لا تدري، أليس قد حرمتك حلاوة مناجاتي؟) .. وقد يكون من نتيجة المعصية: أن يجعل الله له بغضاً في القلوب، وصدوداً عن دعوته بغير سبب ظاهر .. فقد قال “أبو الدرداء”: (إن العبد ليخلو بمعصية الله تعالى، فيلقي الله بغضه في قلوب المؤمنين من حيث لا يشعر) ..

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير