تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[عصر ابن مجاهد أول من سبع السبعة وتدوين القراءات]

ـ[فرغلي عرباوي]ــــــــ[13 Jun 2004, 02:16 م]ـ

عصر ابن مجاهد وتدوين القراءات.

اشتهرت القراءة في الأمصار اشتهاراً عظيماً، وصار كل إمام يقرئ بما سمع، وكل يقر قراءة صاحبه، على أساس أنه مشتمل بالإذن النبوي الكريم في الإقراء بالأحرف السبعة، ولكن ذلك النهج مضى كما هو مفترض باتجاه التوسع في الإقراء حتى أصبحت مدارسه ومناهجه لا تنضبط بإطار ناظم، وأصبح تصور الخطأ واللحن والشذوذ وارداً في هذه الحالة الجماعية.

لذلك فقد بدأ الأئمة في مطلع القرن الثالث بتحديد القراءة المقبولة من القراءة المردودة، ولا تحسب أن الأمر قبل ذلك كان على عواهنه، بل كانت الأئمة تميز بسلائقها المقبول من المردود من القراءات، وتعتمد لذلك اعتبارات كثيرة، منها منزلة الإمام المقرئ، والتزامه بالعربية فيما يقرئ فيه، وموافقته للرسم، وغير ذلك.

ثم اتفقت الأمة على شروط ثلاثة، أصبحت ضابطاً دقيقاً في قبول القراءات وردها، وهذه الشروط هي:

1 - أن توافق وجهاً من وجوه النحو فلا يكون فيها شذوذ عن القواعد التي أصلها النحاة لضبط كلام العرب.

2 - أن توافق رسم المصحف العثماني على الشكل الذي كتب في عهد الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه، وذلك قبل النقط والشكل.

3 - أن يتواتر سندها متصلاً إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأن يرويها جمع عن جمع من أول السند إلى منتهاه.

وكل قراءة لم تتحقق فيها الشروط السابقة كلها أو بعضها فقد اعتبرت قراءة شاذة تحرم القراءة بها ويحرم الاعتقاد أنها من القرآن (157).

وقد نظم ابن الجزري فيما بعد منهج المتقدمين في شروط القراءة المقبولة في الأبيات الآتية:

وكل ما وافق وجه النحوِ * وكان للرسم احتمالاً يحوي

وصح إسناداً هو القرآنُ * فهذه الثلاثة الأركانُ

وحيثما يختلُّ شرطِ أثبتِ * شذوذه لو أنه في السبعةِ (158)

وعقب جهود طويلة من البحث والتحقيق، وبالاستقراء والتتبع ضبط العلماء ما تواتر من أسانيد القراء، فإذا هي قراءات سبع، وهي التي اشتهر بخدمتها نافع وابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي، وهي التي سميت فيما بعد بالقراءات السبع المتواترة، وقد أتينا على ترجمة هؤلاء الأئمة قبل قليل.

ويرجع هذا الحصر بالسبعة المذكورين إلى الإمام المقرئ أحمد بن موسى بن مجاهد المتوفى عام 324 هـ، وذلك في كتابه المشهور "السبعة في القراءات".

وقد ولد ابن مجاهد بسوق القطن في بغداد عام 245 هـ وظهر نبوغه مبكراً حيث حفظ القرآن الكريم، وأكثر القراءة على الشيوخ حتى عدَّ له ابن الجزري نحواً من مائة شيخ قرأ عليهم ختماً كاملة للقرآن الكريم وأجازوه بإقرائها للناس، وقرأ على بعض شيوخه عشرين ختمة، واجتمع عليه الطلاب من الأقطار، وصار يقرئ بالقراءات التي يثبت له تواترها.

وكان ابن مجاهد في الحقيقة إماماً مقصوداً في القراءة، ويمكن القول إنه مؤسس أول جامعة للقرآن الكريم وقراءاته في بغداد "وقد فاق في عصره سائر نظرائه من أهل صناعته مع اتساع علمه، وبراعة فهمه، وصدق لهجته، وظهور نسكه" (159).

وقد نال ابن مجاهد ثقة سائر المشتغلين بالقراءات في عصره وبعد عصره وبحسبك منهم شهادة إمام هذا الفن والمرجع فيه ابن الجزري إذ قال:

"ولا أعلم أحداً من شيوخ القراءات أكثر تلاميذاً منه، ولا بلغنا ازدحام الطلبة على أحد كازدحامهم عليه، وقد حكى ابن الأخرم عنه أنه وصل إلى بغداد فرأى في حلقة ابن مجاهد نحواً من ثلاثمائة مصدّر" (160).

وقال علي بن محمد المقري: كان لابن مجاهد في حلقته ثمانية وأربعون خليفة يأخذون على الناس.

وقد رأى ابن مجاهد أن ترك الأمر على عواهنه يؤدي إلى اختلاط المسائل، ودخول السليم في السقيم، فلا بد إذن من التمييز بين من يصلح للإمامة، ويتوافر لديه الإسناد الثبت، وبين من يتلقى القراءة من غير أهلها، فيشوبها بالخطأ واللحن.

وهكذا فإنه يبين رأيه جلياً في مقدمة كتابه الشهير السبعة بقوله:

(فمن حملة القرآن من يعرب ولا يلحن، ولا علم له بغير ذلك، فذلك كالأعرابي الذي يقرأ بلغته ولا يقدر على تحويل لسانه فهو مطبوع على كلامه.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير