دراسة مفصلة للمراد بقوله تعالى ": {وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا}
ـ[أحمد البريدي]ــــــــ[08 May 2004, 05:45 م]ـ
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه دراسة مفصلة للمراد بقوله تعالى ": {وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا} (النساء: من الآية16).
من المعلوم أن عقوبة الزنا في الشريعة الإسلامية جلد البكر مائة جلدة , وهل يغرب فيه خلاف بين أهل العلم , وأما المحصن فعقوبته الرجم وهل يجلد قبل ذلك كما هو مذهب الحنابلة أو لا يجلد كما هو مذهب الجمهور فيه خلاف ولكل أدلته ليس المراد هنا بحثها, وإنما هناك آية في كتاب الله تعالى وهي قوله تعالى {وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا} (النساء: من الآية16). قد اختلف فيه أهل العلم هل هي من الآيات المتعلقة بعقوبة الزنا أم لا , وإن كانت متعلقة فهل هي معمول بها أم لا , وهي في الواقع مشكلة من جهة ورودها بعد بعد قوله تعالى {وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ} (النساء: من الآية15, وهذه الآية غير معمول فيها بالاتفاق , ودونك هذا البحث ففيه بيان هذه المسألة فأقول مستعيناً بالله.
اختلف المفسرون بهذه الاية على قولين:
القول الأول: أنّ المرادَ بها الزَّانِيَانِ، فهي فاحشةِ الزِّنَا، وعلى هذا جمهور المفسِّرينَ.
القول الثاني: أنّ المرادَ بها اللاَّئِطَانِ، فهي في فاحشةِ اللِّوَاطِ (1)،وهذا مَرْويٌّ عن مُجاهد، وقالَ بهِ أبو مسلم الأصفهاني، والنحاس، وابن العربي ((2).
والأقربُ هو القولُ الأول؛ لأمرينِ:
الأمر الأول: القولُ الأولُ هو قولُ جمهور المفسِّرينَ، وعليه الأكثرُ، وأمّا القولُ الثاني
فأشهرُ مَن قالَ بهِ: مُجاهد، وأبو مسلم الأصفهاني.
فَمُجاهدُ رُوِيَ عنه مِن طريقين (3):
الطريق الأول: طريقُ ابن أبي نجيح. والطريق الثاني: طريقُ ابن جُرَيْج.
وابنُ أبي نجيح وابنُ جُرَيْج ثِقَتَانِ؛ إلاّ أنّهما لم يسمعا التفسيرَ مِن مُجاهدَ كما صَرَّحَ به غير واحدٍ مِن أهل العلم (4)، وأمّا شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ فَيُصَحِّحُ طريقَ ابن أبي نجيح؛ حيثُ قال:" وقول القائلِ: لا تصحُّ روايةُ ابن أبي نجيح عن مجاهد، جوابهُ: أنّ تفسيرَ ابن أبي نجيح عن مجاهد مِن أصَحِّ التفاسير؛ بلْ ليسَ بينَ أيدي أهل التفسير كتابٌ في التفسيرِ أصَحُّ مِن تفسير ابن أبي نجيح عن مجاهد ". (5)
قُلْتُ: وعلى فَرَضِ صحّةِ القولِ عن مجاهد بهذا الطريقِ فقد رُوِيَ عنه بهذا الطريقِ أيضًا ما يُوَافِقُ بهِ قولَ الجمهورِ؛ حيثُ أشارَ إلى أنّ آيةَ {وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا} مَنسوخةٌ بآيةِ النور (6)، وآية ُالنورِ إنّما تعرّضتْ للزِّنَا لا إلى اللِّوَاطِ، وإذا استويا في الصِّحَةِ فقولهُ الموافقُ للجمهورِ مُقدَّمٌ على قولٍ انفردَ بهِ.
وأمّا أبو مسلم الأصفهاني فإنّما حَمَلَهُ على القولِ بأنّها في اللِّوَاطِ حتّى لا يَقَعَ فيها نَسْخٌ، وهو مَبنيٌّ على مَذهبِهِ في عدم وقوع النسخِ شَرْعًا؛ ولذا نجدهُ أيضًا جعلَ آيةَ) في السِّحَاقِيَّاتِ (7)، وهذا القولُ لا شكَّ في بُطلانِهِ لمخالفتهِ الصريحةِ حديثَ عبادة بن الصامت t أنّ الرسولَ e قالَ: [خُذُوا عَنِّي، خُذُوا عَنِّي،قد جَعَلَ الله لَهُنَّ سبيلاً، البِكْرُ بالبِكْرِ جَلْدُ مائةٍ ونَفْيُ سَنَة، والثَّيِّبُ
بالثَّيِّبِ جَلْدُ مائةٍ والرَّجْمُ] (8).
وأمّا النَّحَّاسُ وابنُ العربي فدليلهم هو لَفْظُ {اللَّذَانِ} مُثَنَّى (الذي) فهو لفظٌ مُذَّكَّر فاقتضى الرجالَ خاصّةً، مع تَقَدُّمِ حُكْمِ النساءِ في الآيةِ التي قبلها.
والجوابُ عنه: أنّ المرادَ بذلكَ الزَّانِي والزَّانِيَة، فإنّهُ قد أَفْرَدَ ذِكْرَ النساءِ في الآيةِ التي قبلها ثم جمعهما جميعًا في هذه الآيةِ بلفظِ التذكيرِ تَغليبًا. (9)
الأمر الثاني: أنّه لَمْ يتقدّم لِلَّوَاطِ ذِكْرٌ في الآيةِ، ولَمْ يُصَرَّح بِهِ في الآية، وأمّا تذكيرُ {اللَّذَانِ} فهو مِن بابِ التغليبِ كما تقدّم.
وإذا تقرَّرَ أنّها في فاحشةِ الزِّنا، فقد اختلفَ المفسِّرُونَ:هل هي تابعةٌ للآيةِ السابقةِ أم هي حُكْمٌ مُستقلّ؟ على قولينِ:
¥