[عالم اشترى كتابا بحوالي 9000 ريال، فعكف على قراءته، واقتصر على الفرائض حتى ختمه]
ـ[عبدالرحمن السديس]ــــــــ[29 May 2004, 06:37 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة، والسلام نبينا محمد، وآله، ومن تبعه إلى يوم الدين، أما بعد:
ففي هذه القصة التي أسوقها لك، أريد أن نعالج معاً موضوعاً مهماً يمس أغلى ما نملك، وهو الوقت، وكيف نستفيد منه، ونحاول تخيف الزخم الهائل من الصوارف والشواغل .. وليكن بعد هذه الحكاية ..
قرأتُ في كتاب الطالع السعيد الجامع أسماء علماء نجباء الصعيد لمؤلفه المؤرخ الفقيه كمال الدين أبي الفضل جعفر الأُدْفُوي الشافعي في ترجمته للإمام العلامة المجتهد ابن دقيق العيد.
قال الأُدْفُوي ص580: وأخبرني شيخنا الفقيه سراج الدين الدَّنْدري أنه لما ظهر الشرح الكبير للرافعي [فتح العزيز شرح الوجيز] اشتراه [ابنُ دقيق العيد (1)] بألف درهم (2)، وصار يصلي الفرائض فقط، واشتغل بالمطالعة إلى أن أنهاه مطالعة، وذكر عنده هو [الرافعي]، والغزالي في الفقه فقال: الرافعي في السماء. اهـ.
ومما يشبه هذا الجهد والحرص لكنه في المذاكرة، وليس في المطالعة ما جاء عن الإمام أحمد رحمه الله، قال عبد الله بن أحمد: لما قدم أبو زرعة نزل عند أبي، فكان كثيرَ المذاكرة له، فسمعت أبي يوما يقول: ما صليت غير الفرائض استأثرت بمذاكرة أبي زرعة على نوافلي.
وروى الخلال في أخلاق أحمد: أن إسحاق قال: كنا عند عبد الرزاق أنا، وأحمد بن حنبل قال: فمضينا معه إلى المصلى يوم عيد، قال: فلم يكبر عبد الرزاق، ولا أنا، ولا أحمد بن حنبل! قال: فقال لنا: رأيت معمرا، والثوري في هذا اليوم كبّرا؛ فكبرتُ، ورأيتكما لا تكبران فلم أكبر، أو قال: ورأيتكما لا تكبران؛ فهبت!
قال عبد الرزاق: فلمَ لَمْ تكبرا؟ قال فقلنا: نحن نرى التكبير، ولكن شغلنا بأي شيء نبتدئ من الكتب.اهـ من الآداب الشرعية 2/ 165 - 166.
وأخبار العلماء في مثل هذا كثيرة ..
أقول: رحمهم الله، أين نحن اليوم من مثل هذا؟!
وكيفَ يَفعلُ مثلَ هذا اليوم مَنْ ثلث يومه في وظيفة تهلك الحفظ، والفهم!، وسدسه، أو أكثر في النوم! وقل كم يذهب من الوقت في الأكل، وعند إشارات المرور، والزحام في الطرقات، ثم حاجات الأهل، وصلة الوالدين، والأقربين ... ونحوها!
وناهيك عن التردد على المكتبات لمتابعة الجديد، وعن الاجتماعات مع الإخوان التي لا تنتهي، والمناسبات، ثم ما يقال في الترويح عن النفس ... وكأنها قد أنجزت شيئا!
وهكذا يمضي العمر، وتنصرم الأيام، ولم نحصل شيئا! فما الحل إذن؟
أقول: مع أني غيرُ سالمٍ مما ذكرتُ ..
أولا: من أهم الأمور هنا الالتجاء إلى الله، أن يوفقك، ويبارك في وقتك.
ثانيا: شد المئزر ومحاولة الاستفادة من كل وقت، حتى وأنت في السيارة تستطيع سماع الدروس المسجلة ... ، وهكذا في العمل اصحب معك كتابا، وانظر فيه كلما سنحت فرصة .. وقلل من حضور المناسبات، ولا تحضرْ إلا ما يتعين عليك حضوره، أو تخشى من مفسدة عند عدم الحضور .. ، واجعل معك كتابا في السيارة طالعه عند إشارات المرور، أو استغل وقتك بأي شيء فيه نفع، وتكون قد أنجزته وسلم لك مكانه. وهكذا ...
ومِلاك هذه الأمور كلها الشعور بقيمة الزمن، وأنه هو العمر، فتضييعه أعظم من تضييع الذهب والفضة ..
ومما يعين على ذلك مطالعة سير العلماء الأوائل المجتهدين في حفظ أوقاتهم، وفي كتاب قيمة الزمن للشيخ أبي غدة من هذا شيء نفيس ـ .. ولو جُمِعَ ذيلٌ عليه ينشر هنا بين الأخوة فهناك حكايات ليست بقليلة توازي بعض ما في الكتاب، بل بعضها قد تفوق .. ، وإن كان الرجل لم يقصد الاستيعاب .. لكن يذكر للفائدة ـ وكذا في سائر كتب التراجم، والسير.
وكذا التواصي بين الإخوة .. والاستفادة من الوقت في المفيد حال الاجتماع.
ومن أكثر الأمور تضييعا للوقت كثرة الفضول بتتبع الأخبار، والتفاصيل غير المفيدة ..
وكذا التمادي في الانترنت في دخول المواقع غير المفيدة .. ، ومتابعة ما يكتب فيها من سقط الكلام، والقيل والقال .. فإنها تصد عن ذكر الله وعن الصلاة فهل نحن منتهون؟
ولعلي أختم بهذه الحكاية الطريفة من ابن الجوزي رحمه الله قال في صيد الخاطر ص209
¥