[من مهمات التفسير: معرفة عرف القرآن والمعهود من معانيه واستعمالاته]
ـ[أبومجاهدالعبيدي]ــــــــ[22 Jul 2004, 05:46 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
من الضوابط المهمة التي لابد منها للمفسر حتى يتمكن من تفسير القرآن والكشف عن معانيه بالطريقة الصحيحة:
معرفة عرف القرآن والمعهود من معانيه واستعمالاته؛ فإن للقرآن عرفاً يختص به وطريقةً يتمّيز بها سواء كان ذلك في استعمال الألفاظ لمعانٍ معينة أو في التركيب والأساليب التي يتميّز بها. وسواء أكان الاستعمال استعمالاً أغلبياً – بأن كانت الكثرة الكاثرة من الاستعمال متفقةً في دلالتها على معنى واحد أو مطرداً بأن يكون الاستعمال في جميع المواد متفقاً على معنى واحد أو عادة في أسلوب القرآن) [من " قواعد الترجيح " للدكتور حسين الحربي بتصرف (1/ 172)] ..
ومما يدل على أهمية هذا الضابط في التفسير أن بعض العلماء جعله مرجعاً يرجع إليه لمعرفة الصحيح من الأقوال عند تعارضها كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – وهو يتكلم عن تفسير التابعين: (فإن اختلفوا فلا يكون قول بعضهم حجةً على بعض، ولا على مَن بعدهم، ويُرجع في ذلك على لغة القرآن أو السنة، أو عموم لغة العرب، أو أقوال الصحابة في ذلك) اهـ[من " مقدمة التفسير " (ص92)].
وتبعه على هذا ابن كثير في " مقدمة التفسير ".
فمراد ابن تيمية بقوله: (لغة القرآن) أي المعاني الشرعية للألفاظ التي جاءت في القرآن مع أن القرآن الكريم نزل بلغة العرب، إلا أن وجدناه استعمل ألفاظاً عربية في معانٍ لم يعرفها العرب من قبل، تصرّف فيها كما تصرف العرب فيها. [ينظر كتاب: " لغة القرآن الكريم " للدكتور عبد الجليل عبد الرحيم فقد عقد فصلاً فيه بعنوان: المعاني الجديدة التي جاء بها القرآن الكريم مستعملاً لغة العرب، (من ص365 - 402) .. ]
ومن هنا تظهر أهمية معرفة عرف القرآن في استعماله للألفاظ والأساليب، لأنها مقدمة على المعاني العرفية والمعاني اللغوية.
ولذلك ذكر العلماء هذه الأمور، فذكروا أنواعاً ثلاثة من الحقائق للألفاظ:
الحقيقة الشرعية، والحقيقة العرفية، والحقائق اللغوية وجعلوا لها قواعد معروفة في كتب الأصول.
(والقاعدة في هذا: أن الأصل تقديم الحقيقة الشرعية في تفسير نصوص الشرع ما لم يأت ما يدل على تقديم الحقيقة اللغوية أو العرفية.
فإن لم يكن للفظ معنى شرعي، قدمت الحقيقة العرفية في تفسيره وبيان المراد منه، ما لم يأت ما يدل على تقديم الحقيقة اللغوية.
فإن لم يكن للفظ معنى شرعي ولا عرفي، فسِّر بحسب اللغة، ولا ينتقل عنه إلى المجاز إلا بقرينة – عند القائلين به) [ينظر كتاب قيم في هذا للشيخ محمد بن عمر بازمول بعنوان: " الحقيقة الشرعية في تفسير القرآن العظيم والسنة النبوية ".]
جاء في الكتاب "الحقيقة الشرعية ... "ما مختصر: (والقاعدة السابقة ركيزة أساسية لفهم القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، والإخلال بها يؤدي إلى تحريف الشرع، والانحراف بنصوصه عن معانيها المرادة منها، كما يؤدي الإخلال بهذه القاعدة إلى حدوث الاختلاف والتنازع في أمور، لو عُرفت حقيقتها، وروعي تنوع الاصطلاح فيها، وعُرفت الحقيقة الشرعية لها – لو عرف ذلك؛ لما حصل الاختلاف والتنازع، إلا أن يشاء الله ..
لذلك ينبغي للناظر في القرآن الكريم والسنّة المطهرة أن لا يتسرع في الهجوم على المعنى المراد في النص الشرعي قبل أن تتميز له الحقيقة المرادة من النص الشرعي فعليه وظيفتان:
الأولى: النظر هل لهذا للفظ الوارد في النص الشرعي حقيقة شرعية أم لا؟
فإن وجدت له حقيقة شرعية، تأتي الوظيفة التالية.
الثانية: النظر هل هذه الحقيقة الشرعية مرادة في هذا النص أم أن هناك ما يمنع إرادتها؟ فإن لم يجد ما يمنع من الحقيقة الشرعية في لفظ النص الذي بين يديه فسرّه بها، وإلا، صار بحسب القرينة إلى المعنى العرفي أو اللغوي، كما سبق في القاعدة).
(ولكن كيف يتوصل إلى معرفة الحقيقة الشرعية للألفاظ؟ يتوصل إلى معرفة المعنى الشرعي بإحدى طريقتين:
الأولى: استقراء النصوص الشرعية، وتتبع استعمال اللفظ المراد.
الثانية: استعمال الصحابة وعرفهم للألفاظ؛ إذ الشرع نزل بلغتهم وبعرفهم في الأصل، وهو ما اصطلح عليه: بعرف زمن التشريع).
¥