[(4) (نظرات في المعرب) آدم في السماء]
ـ[مساعد الطيار]ــــــــ[16 May 2004, 10:21 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
(4) (نظرات في المُعرَّب) آدم في السماء.
كما قلت لك سابقًا: لقد كنت أُأَخِّر الحديث عن هذه القضية ريثما أرتب قراءاتي فيها، غير أن الوقت يمضي يومًا بعد يومٍ، ولا أجد متسعًا من الوقت أتفرغ فيه لإعادة قراءاتي فيه، وترتيب هذا الموضوع من جديد.
ولما كان الأمر كذلك رأيت أن أدلِي بما في دلوي من معلومات متناثرة في هذا الموضوع راجيًا من الله أن يتمم لي بركة العلم والوقت، فأستطيع إعادة تسطير هذا الموضوع مرة أخرى بما يتناسب مع أهميته ومشكلاته وما فيه من فوائد ونفائس ظهرت لبعض المعاصرين حين دخلوا في موازنة بين اللغات القديمة، فخرجوا بشيءٍ جديد في مادته.
وقد احترت في هذا الموضوع من أين أبدأُ به، وما ترتيبي فيه، لكني رأيت أن أُجري القلم بما ينصب عليه من الذهن، ثم يكون ترتيب الموضوع فيما بعد إذا انتهى طرحه في هذا الملتقى.
آدم في السماء
خلق الله المخلوقات: ملائكة وجِنًّا، وأرضًا وسماءً، وأخرج منافع الأرض، وهيَّئها للساكن الجديد، ثمَّ خلقه، خلق آدم من تراب الأرض التي سيسكنها، فجلَّ الله في حكمته، وتعالى في سلطانه.
فما مدلول هذا الاسم؟
ذكر ابن جرير عن بعض السلف أنه سُمِّي آدم من أديم الأرض؛ لأنه خلق من مجموع تربتها، كما وردت بهذا الآثار، ومن الآثار الواردة في كونه سمِّي نسبةً إلى أديم الأرض:
1 ـ أخرج ابن جرير عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: (بعث رب العزة ملك الموت، فأخذ من أديم الأرض؛ من عذبها ومالحها، فخلق منه آدم، ومن ثم سمي آدم؛ لأنه خلق من أديم الأرض)
2 ـ وقال ابن جرير: وحدثنا أحمد بن إسحاق قال حدثنا أبو أحمد الزبيري قال حدثنا عمرو بن ثابت عن أبيه عن جده عن علي قال: (إن آدم خلق من أديم الأرض؛ فيه الطيب والصالح والرديء، فكل ذلك أنت راء في ولده الصالح والرديء).
قال الطبري ـ معلقًا على هذين الأثرين وغيرهما ـ الأرض: ((وقد روي عن رسول الله خبر يحقق ما قال من حكينا قوله في معنى آدم)) ثم ساق بسنده إلى رسول الله، قال: (إن الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض فجاء بنو آدم على قدر الأرض جاء منهم الأحمر والأسود والأبيض وبين ذلك والسهل والحزن والخبيث والطيب).
ثم قال الطبري: ((فعلى التأويل الذي تأول آدم من تأوله بمعنى أنه خلق من أديم الأرض يجب أن يكون أصل آدم؛ سُمِّي به أبو البشر كما سمي أحمد بالفعل من الإحماد وأسعد من الإسعاد فلذلك لم يجر ويكون تأويله حينئذ آدم الملك الأرض يعني به أبلغ أدمتها وأدمتها وجهها الظاهر لرأي العين كما أن جلدة كل ذي جلدة له أدمة ومن ذلك سمي الإدام إداما لأنه صار كالجلدة العليا مما هي منه ثم نقل من الفعل فجعل اسما للشخص بعينه)).
وقد قيل في اسم أصل اسم آدم أقوال أخرى، ونُسِب إلى لغات ترجع في نهايتها إلى اللغة العروبية الأم. (انظر: تاج العروس، مادة (أدم)، وحاشية الشهاب الخفاجي على تفسير البيضاوي (2: 124 ـ 125)).
وليس هذا مجال الاستطراد في هذا، إذ يكفي وضوح الاشتقاق العربي في هذا الاسم، إذ اللغات الأخرى المذكورة، وهي السريانية أو العبرية ترجع إلى اللغة العربية الأولى: لغة الاشتقاق التي سيرد الإشارة إليها عبر هذه الجزئية.
واسم آدم لم يتغيِّر عند أصحاب الكتب السماوية، فهو بهذا الاسم بعينه عندهم، وهذا يشير إلى اللغة الأولى التي تكلم بها آدم عليه السلام، وأنها لغة اشتقاق تتوالد فيها الكلمات من أصول ثابتة، قد يموت بعضها فينسى، وقد يبقى بعضها باهتة الدلالة غير معروف الأصل، وقد يستمر كثير منها في اللغة الخالدة الباقية، وهو المتمثل في لغات عرب الجزيرة الذين بقيت في لغتهم فكرة الاشتقاق وما زالت مستمرةً، مع ملاحظة الاختلاف في طريقة الاشتقاق، ومحل هذا كتب فقه اللغة.
وإذا كنت تستغرب أن يكون اسم آدم مشتقٌّ من أديم الأرض الذي هو أصل مادته، فاسمع هذا الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم.
¥