تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فإن قلت: هلا زعمت أن معناه أمرناهم بالطاعة ففسقوا قلت لأن حذف ما لا دليل عليه غير جائز فكيف يحذف ما الدليل قائم على نقيضه؟ و ذلك أن المأمور به إنما حذف لأن فسقوا يدل عليه و هو كلام مستفيض يقال: أمرته فقام و أمرته فقرأ لا يفهم منه إلا أن المأمور به قيام أو قراءة و لو ذهبت تقدر غيره لزمت من مخاطبك علم الغيب.

و لا يلزم على هذا قولهم: أمرته فعصاني أو فلم يمتثل أمري لأن ذلك مناف للأمر مناقض له، و لا يكون ما يناقض الأمر مأمورا به فكان محالا أن يقصد أصلا حتى يجعل دالا على المأمور به فكان المأمور به في هذا الكلام غير مدلول عليه و لا منوي لأن من يتكلم بهذا الكلام فإنه لا ينوي لأمره مأمورا به كأنه يقول: كان مني أمر فلم يكن منه طاعة كما أن من يقول: فلان يعطي و يمنع و يأمر و ينهى غير قاصد إلى مفعول.

فإن قلت: هلا كان ثبوت العلم بأن الله لا يأمر بالفحشاء و إنما يأمر بالقصد و الخير دليلا على أن المراد أمرناهم بالخير ففسقوا؟.

قلت: لا يصح ذلك لأن قوله: ففسقوا يدافعه فكأنك أظهرت شيئا و أنت تدعي إضمار خلافه فكان صرف اللفظ إلى المجاز هو الوجه.

و هو كلام حسن في تقريب ظهور قوله: «أمرنا مترفيها ففسقوا فيها» في كون المأمور به هو الفسق و أما كونه صريحا فيه بحيث لا يحتمل إلا ذلك كما يدعيه فلا، فلم لا يجوز أن تكون الآية من قبيل قولنا: أمرته فعصاني حيث تكون المعصية و هي منافية للأمر قرينة على كون المأمور به هو الطاعة و الفسق و المعصية واحد فإن الفسق هو الخروج عن زي العبودية و الطاعة فهو المعصية و يكون المعنى حينئذ أمرنا مترفيها بالطاعة ففسقوا عن أمرنا و عصوه، أو يكون الأمر في الآية مستعملا استعمال اللازم، و المعنى توجه أمرنا إلى مترفيها ففسقوا فيها عنه.

فالحق أن الوجهين لا بأس بكل منهما و إن كان الثاني لا يخلو من ظهور و قد أجيب عن اختصاص الأمر بالمترفين بأنهم الرؤساء السادة و الأئمة المتبوعون و غيرهم أتباعهم و حكم التابع تابع لحكم المتبوع و لا يخلو من سقم.

و ذكر بعضهم في توجيه الآية أن قوله: «أمرنا مترفيها» إلخ صفة لقرية و ليس جوابا لإذا و جواب إذا محذوف على حد قوله: حتى إذا جاؤها و فتحت أبوابها و قال لهم خزنتها إلى آخر الآية للاستغناء عنه بدلالة الكلام.

و ذكر آخرون أن في الآية تقديما و تأخيرا و التقدير و إذا أمرنا مترفي قرية ففسقوا فيها أردنا أن نهلكها، و ذلك أنه لا معنى لإرادة الهلاك قبل تحقق سببه و هو الفسق، و هو وجه سخيف كسابقه.

هذا كله على القراءة المعروفة «أمرنا» بفتح الهمزة ثم الميم مخففة من الأمر بمعنى الطلب، و ربما أخذ من الأمر بمعنى الإكثار أي أكثرنا مترفيها مالا و ولدا ففسقوا فيها.

و قرىء «آمرنا» بالمد و نسب إلى علي (عليه السلام) و إلى عاصم و ابن كثير و نافع و غيرهم و هو من الإيمان بمعنى إكثار المال و النسل أو بمعنى تكليف إنشاء فعل، و قرىء أيضا «أمرنا» بتشديد الميم من التأمير بمعنى تولية الإمارة و نسب ذلك إلى علي و الحسن و الباقر (عليهما السلام) و إلى ابن عباس و زيد بن علي و غيرهم.

ثانيا: من تفسير ابن كثير

14اِخْتَلَفَ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله " أَمَرْنَا " فَالْمَشْهُور قِرَاءَة التَّخْفِيف وَاخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي مَعْنَاهَا فَقِيلَ مَعْنَاهُ أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا أَمْرًا قَدَرِيًّا كَقَوْلِهِ تَعَالَى " أَتَاهَا أَمْرنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا " إِنَّ اللَّه لَا يَأْمُر بِالْفَحْشَاءِ قَالُوا مَعْنَاهُ أَنَّهُ سَخَّرَهُمْ إِلَى فِعْل الْفَوَاحِش فَاسْتَحَقُّوا الْعَذَاب وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَمَرْنَاهُمْ بِالطَّاعَاتِ فَفَعَلُوا الْفَوَاحِش فَاسْتَحَقُّوا الْعُقُوبَة. رَوَاهُ اِبْن جُرَيْج عَنْ اِبْن عَبَّاس وَقَالَهُ سَعِيد بْن جُبَيْر أَيْضًا وَقَالَ اِبْن جَرِير يَحْتَمِل أَنْ يَكُون مَعْنَاهُ جَعَلْنَاهُمْ أُمَرَاء قُلْت إِنَّمَا يَجِيء هَذَا عَلَى قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ " أَمَّرْنَا مُتْرَفِيهَا " قَالَ عَلِيّ بْن طَلْحَة عَنْ اِبْن عَبَّاس قَوْله " أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا " يَقُول سَلَّطْنَا أَشْرَارهَا فَعَصَوْا فِيهَا فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ أَهْلَكَهُمْ اللَّه بِالْعَذَابِ وَهُوَ قَوْله "

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير