تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

لا يصلح في موضع صاحبه، فإذا قلت: ((زيدٌ طويلٌ، وعمروٌ قصيرٌ))، لم يصلح مكانه ((يطولُ ويقصرُ) وإنَّما تقول: ((يطولُ ويقصرُ)) إذا كان الحديث عن شيء يزيد، وينمو كالشَّجر، والنَّبات، والصَّبي، ونحو ذلك ممَّا يتجدَّد فيه الطُّول، أو يحدث فيه القصر، فأمَّا وأنت تحدِّث عن هيئة ثابتة، وعن شيء قد استقر طوله، ولم يكن ثَمَّ تزايد وتجدُّد، فلا يصلح فيه إلاَّ الاسم)) 0

ثمَّ قال - رحمه الله -: ((كما وجدت الاسم يقع حيث لا يصلح الفعل مكانه، كذلك تجد الفعل يقع، ثمَّ لا يصلح الاسم مكانه، ولا يؤدي ما كان يؤديه، فمن البيّن في ذلك قول الأعشى:

لَعَمْرِي، لَقَدْ لاَحَت عُيُونٌ كَثِيرَةٌ = إِلَى ضَوءِ نَارٍ فِي يَفَاعٍ تَحَرَّقُ

تَشُبُّ لِمَقْرُورِيْنِ يَصْطَلِيَانِهَا= وَبَاتَ عَلَى النَّارِ النَّدى وَالْمحلّق

معلوم أنَّه لو قيل: ((إلى ضوءِ نارٍ محرقة)) لنبا عنه الطَّبع، و أنكرته النَّفس، ثُمَّ لا يكون ذاك النُّبو، وذاك الإنكار من أجل القافية، وأنَّها تفسد به من جهة أنَّه لا يشبه الغرض، ولا يليق بالحال، وكذلك قوله:

أَوَ كَلَّمَا وَرَدَتْ عُكَاظَ قَبِيلَةٌ بَعَثُوا إِليَّ عَرِيفِهَم يتوسَّمُ

وذاك لأنَّ المعنى في بيت الأعشى على أنَّ هناك موقداً يتجدَّد منه الإلهاب، والإشعال حالاً فحالاً، وإذا قيل محرقة، كان المعنى أنَّ هناك ناراً قد ثبتت لها، وفيها هذه الصِّفة، وجرى مجرى أن يقال: «إلى ضوءِ نارٍ عظيمةٍ»، في أنَّه لا يفيد فعلاً يفعل، وكذلك الحال في قوله: «بَعَثُوا إِليَّ عَرِيفِهَم يتوسَّمُ»، وذلك لأنَّ المعنى على توسُّم، وتأمُّل، ونظر يتجدَّد من العريف هناك حالاً فحالاً، وتصفح منه للوجوه واحداً بعد واحد، ولو قيل: «بعثوا إليَّ عريفهم متوسِّماً»، لم يفد ذلك حقَّ الإفادة، ومن ذلك قوله تعالى: ? هَلْ مِنْ خَـ?لِقٍ غَيْرُ ?للَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِّنَ ?لسَّمَآءِ ?، لو قيل: «هلْ مِن خالقٍ غير اللهُ رازقٌ لكم» لكان المعنى غير ما أريد 0 ولا ينبغي أن يغرَّك أنَّا إذ تكلَّمنا في مسائل المبتدأ، والخبر قدَّرنا الفعل في هذا النَّحو تقدير الاسم كما نقول في: ((زيدٌ يقومُ)) إنَّه في موضع ((زيدٌ قائمٌ))، فإن ذلك لا يقتضي أن يستوي المعنى فيها استواء لا يكون من بعده افتراق، فإنَّهما لو استويا هذا الاستواء لم يكن أحدهما فعلاً والآخر اسماً، بل كان ينبغي أن يكونا جميعاً فعلين، أو يكونا اسمين)) 0

وقد تفيد الجملة الفعلية الاستمرار التًّجدُّدِي شيئاً فشيئاً بحسب المقام، وبمعونة القرائن لا بحسب الوضع، وذلك نظير الاستمرار الثُّبوتي في الجملة الاسميَّة، نحو قوله تعالى: ? لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ ?لأمْرِ لَعَنِتُّمْ ?، أي لو استمرَّ على طاعتكم وقتاً فوقتاً لحصل لكم عنت ومشقَّة 0 بشرط أن يكون الفعل مضارعاً، نحو قول المتنبي:

تُدَبِّرُ شَرْقَ الأَرْضِ وَ الغَرْبَ كَفُّهُ * وَلَيْسَ لَهَا وَقْتاً عَنِ الجُودِ شَاغِلُ

فقرينة المدح تدلُّ على أنَّ تدبير الممالك ديدنه، وشأنه المستمرُّ الذي لا يحيد عنه، و يتجدَّد آناً فآناً 0

وكذلك الجملة الاسميَّة قد تخرج عن أصل وضعها، و تفيد الدَّوام والاستمرار بحسب القرائن، كأن يكون الحديث في مقام المدح، أو في معرض الذَّم كقوله – سبحانه وتعالى -: ? وَإِنَّكَ لَعَلَى? خُلُقٍ عَظِيمٍ ?، فسياق الكلام في معرض المدح دالٌّ على إرادة الاستمرار مع الثُّبوت 0

وكذا قوله - سبحانه وتعالى -: ? إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ ?، فالجملة الأولى: ? إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ ? سيقت في معرض مدح الأبرار، فخرجت بهذه القرينة عن أصل وضعها، وهو الثُّبوت، وأفادت الدَّوام والاستمرار، فأفادت أنَّ الأبرار في نعيم دائم مستمرٍّ 0 وكذا الجملة الثَّانية: ? وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ ? سيقت في معرض ذمِّ الفجَّارِ، فخرجت بهذه القرينة عن أصل وضعها، وهو الثُّبوت، وأفادت الدَّوام والاستمرار، فأفادت أنَّ الفجَّار في جحيمٍ دائمٍ مستمرٍ 0

والجملة الاسميَّة لا تفيد الثُّبوت بأصل وضعها، و لا الاستمرار بالقرآن إلاَّ إذا كان خبرها مفرداً، نحو قوله - سبحانه وتعالى -: ? وَ?للَّهُ مُخْرِجٌ مَّا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ ?، فمخرج خبر مفرد للفظ الجلالة، أوخبرها جملة اسميَّة، نحو قوله - سبحانه وتعالى -: ? أُولَـ?ئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَ?تٌ مِّن رَّبْهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـ?ئِكَ هُمُ ?لْمُهْتَدُونَ ?، فجملة عليهم صلوات جملة اسميَّة في محلِّ رفع خبر أولئك 0 أمَّا إذا كان خبرها جملة فعليَّة فإنَّها تفيد التَّجدُّد، نحو جملة: ? وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ ? من قوله - سبحانه وتعالى -: ? وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ ?؛ لأنَّ ((الفعل يدلُّ على التَّجدُّد، وعدم الثُّبوت)) 0

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير