فإن لم ينجح فيما يريد لجأ إلى السلطة وصاحبها وهو الملك (ملك الناس)
فإن لم تُجد السلطة نفعاً التجأ إلى الله تعالى (إله الناس) " وأفوض أمري إلى الله
والترتيب في الآيات في السورة هو على سياق هذا الترتيب الطبيعي، وكحاجة الإنسان للتعامل في الحياة. وهو واضح في مراحل حياة الإنسان ومعاشهم، فالأجنة هي البداية ثم يخرج الناس للحياة ليواجهوا المربي الذي يقدم لهم ما يحتاجونه من تربية ورعاية، فإذا كبروا احتاجوا إلى المجتمع وما ينظم علاقتهم به، ثم يأتي سن التكليف حيث يحاسبه الإله
والمجتمعات عموما بين الربوبية والملك، فكل مجتمع يحتاج صغاره إلى المربي ثم إلى السلطة، أما الألوهية فتتأخر وقد تخفى على بعض الناس وتحيطها الشكوك والأوهام .. والإلحاد .. وتحتاج إلى تذكير
ـ وقد تدرّجت الآيات من الكثرة إلى القلّة
فالربّ هو المرشد الموجّه وقد يكون في المجتمع الواحد العديد من المرشدين والمربّين
لكن لكل دولة أو مجتمع ملك واحد
والدنيا فيها ملوك كثر ولكن إلهها وإلههم واحد
فانتقل من الكثرة للقلة من حيث دلالة الكلمة بالعدد (الرب كثير، الملك أقلّ وأما الإله فهو واحد).
ـ وردت كلمة الناس 3 مرات في السورة وكل منها تعني مجموعة من الناس مختلفة عن غيرها نوضحها فيما يلي:
كلمة الناس تطلق على مجموعة قليلة من الناس أو واحد من الناس أو كل الناس.
والربّ هو مُرشد مجموعة من الناس قد تكون قليلة أو كثيرة
أما الملك فناسه أكثر من ناس المربي
وأما الإله فهو إله كل الناس وناسه الأكثر حتماً.
ولو قالت الآيات: أعوذ برب الناس وملكهم وإلههم لعاد المعنى كله إلى المجموعة الأولى من الناس .. ناس الرب .. دون أن يشمل غيرهم
لذلك لا يغني الضمير هنا، بل لا بد من تكرار المضاف إليه مذكورا صريحا، لأن لكل معنى مختلف
فالتدرج في الصفات بدأ من الكثرة إلى القلة، أما في المضاف إليه (الناس) فبالعكس من القلة إلى الكثرة، فناس المربي أقل، وناس الملك أكثر، وناس الإله هم الأكثر
ـ ولا يجوز أن يأتي بحرف العطف فيقول برب الناس وملك الناس وإله الناس
فجاءت (قل أعوذ برب الناس* ملك الناس* إله الناس) حتى لا يُظنّ أنهم ذوات مختلفة، بل هي ذات واحدة، فهو سبحانه المربي وهو الملك وهو الإله الواحد. وحتى لا يُظن أن المقصود أكثر من واحد، بل هو واحد سبحانه، فمن أراد الرب يقصد رب الناس ومن أراد الملِك يقصد ملك الناس ومن أراد الإله فلا إله إلا الله
من شر الوسواس الخنّاس. الذي يوسوس في صدور الناس. من الجنّة والناس
من شر الوسواس الخنّاس:
ـ جاءت الآية باستخدام (من شر الوسواس) وليس (من الوسواس) كما في الاستعاذة من الشيطان: "فاستعذ بالله من الشيطانِ الرجيم"، لأنه هنا لم يحدد الشيطان، بل قال: من الجِنّة والناس، فجعل الوسواس قسمين: من الجِنّة أو من الناس
فالجِنّة فيهم صالحون وفيهم قاسطون " وأنا منا المسلمون ومنا القاسطون" كما قال تعالى على لسان الجن في سورة الجن، لذا لا يصحّ الاستعاذة من الجِنّة عموماً
وكذلك الناس نحن نستعيذ من الظالمين والأشرار من الناس وليس من الناس كلهم جميعاً ولذا جاءت الآية بتحديد الاستعاذة من الشر (من شر الوسواس الخنّاس)، وأما الشيطان فشرّ كله لذلك جاءت الآية بالاستعاذة منها، أما البشر فلا، ورد في الأثر: (الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير ممن لا يخالطهم ولا يصبر على أذاهم)
ـالوسواس: كلمة وسواس على صيغة (فعلال)، وهي صيغة تفيد التكرار لأنه لا ينفك عن الوسوسة
ويسمى في اللغة (تكرار المقطع لتكرار الحَدَث) حيث تكرر فيها المقطع (وس) كما في كلمة كبكب (تكرار كب) وحصحص (تكرار حص) للدلالة على تكرار الحدث.
وصيغة (فعلال) تفيد المبالغة أيضاً
إذن كلمة وسواس تفيد المبالغة والتكرار.
ـ وقد جاء التعبير في الآية بكلمة الوسواس وليس الموسوس، لأن الموسوس لا تفيد المبالغة، ولأنها تقال للشخص الذي تعتريه الوسوسة دون أن تفيد المبالغة
ـ وجاءت الاستعاذة بـ (شر الوسواس) وليس شر الوسوسة فقط للدلالة على أن الاستعاذة إنما تكون من كل شرور الوسواس سواء كانت وسوسة أو لم تكن.
ـ الخنّاس: صفة من (الخنوس) وهو الاختفاء، وهي أيضا صيغة مبالغة، وتدل على أن الخنوس صار نوعا من حرفة يداوم عليها
¥