تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فصل تفسير الفلق: واعلم أن الخلق كله فلق0 وذلك أن فلقا فعل بمعنى مفعول كقبض وسلب وقنص، بمعنى مقبوض ومسلوب ومقنوص0 والله عز وجل فالق الإصباح وفالق الحب والنوى وفالق الأرض عن النبات والجبال عن العيون والسحاب عن المطر والأرحام عن الأجنة والظلام عن الإصباح0 ويسمى الصبح المتصدع عن الظلمة فلقا وفرقا0 يقال: هو أبيض من فرق الصبح وفلقه0 وكما أن في خلقه فلقا وفرقا فكذلك أمره كله فرقان يفرق بين الحق والباطل فيفرق ظلام الباطل بالحق كما يفرق ظلام الليل بالإصباح ولهذا سمى كتابه الفرقان، ونصره فرقانا؛ لتضمنه الفرق بين أوليائه وأعدائه0 ومنه فلقة البحر لموسى وسماه فلقا، فظهرت حكمة الاستعاذة برب الفلق في هذه المواضع وظهر بهذا إعجاز القرآن وعظمته وجلالته، وأن العباد لا يقدرون قدره، وأنه (تنزيل من حكيم حميد فصلت 42) 0

الشر الثالث- شر النفاثات في العقد: الشر الثالث شر النفاثات في العقد0 وهذا الشر هو شر السحر0 فإن النفاثات في العقد هن السواحر اللاتي يعقدن الخيوط، وينفثن على كل عقدة حتى ينعقد ما يردن من السحر0 والنفث هو النفخ مع ريق وهو دون التفل0 وهو مرتبة بينهما0 والنفث فعل الساحر0 فإذا تكيفت نفسه بالخبث والشر الذي يريده بالمسحور ويستعين عليه بالأرواح الخبيثة، نفخ في تلك العقد نفخا معه ريق، فيخرج من نفسه الخبيثة نفس ممازج للشر والأذى مقترن بالريق الممازج لذلك0 وقد تساعد هو والروح الشيطانية على أذى المسحور، فيقع فيه السحر بإذن الله الكوني القدري، لا الأمر الشرعي0

فإن قيل: فالسحر يكون من الذكور والإناث، فلم خص الاستعاذة من الإناث دون الذكور؟ قيل في جوابه: إن هذا خرج على السبب الواقع، وهو أن بنات لبيد بن الأعصم سحرن النبي0 هذا جواب أبي عبيدة وغيره0 وليس هذا بسديد؛ فإن الذي سحر النبي هو لبيد بن الأعصم كما جاء في الصحيح0 والجواب المحقق إن النفاثات هنا هن الأرواح والأنفس النفاثات لا النساء النفاثات؛ لأن تأثير السحر، إنما هو من جهة الأنفس الخبيثة، والأرواح الشريرة0 وسلطانه، إنما يظهر منها0 فلهذا ذكرت النفاثات هنا بلفظ التأنيث، دون التذكير والله أعلم0

فصل العاين والحاسد: والعاين والحاسد يشتركان في شيء، ويفترقان في شيء0 فيشتركان في أن كل واحد منهما تتكيف نفسه، وتتوجه نحو من يريد أذاه0 فالعاين تتكيف نفسه عند مقابلة المعين ومعاينته0 والحاسد يحصل له ذلك عند غيب المحسود وحضوره أيضا0 ويفترقان في أن العاين قد يصيب من لا يحسده من جماد أو حيوان أو زرع أو مال، وإن كان لا يكاد ينفك من حسد صاحبه، وربما أصابت عينه نفسه0 فإن رؤيته للشيء رؤية تعجب وتحديق مع تكيف نفسه بتلك الكيفية تؤثر في المعين0

والمقصود أن العائن حاسد خاص، وهو أضر من الحاسد0 ولهذا- والله أعلم- إنما جاء في السورة ذكر الحاسد دون العائن؛ لأنه أعم0 فكل عائن حاسد ولا بد، وليس كل حاسد عائنا0 فإذا استعاذ من شر الحسد دخل فيه العين0 وهذا من شمول القرآن الكريم، وإعجازه وبلاغته0 وأصل الحسد هو بغض نعمة الله على المحسود، وتمني زوالها0

الساحر والحاسد: فالحاسد عدو النعم0 وهذا الشر هو من نفس الحاسد وطبعها، ليس هو شيئا اكتسبه من غيرها، بل هو من خبثها وشرها، بخلاف السحر0 فإنه؛ إنما يكون باكتساب أمور أخرى واستعانة بالأرواح الشيطانية0 فلهذا- والله أعلم- قرن في السورة بين شر الحاسد، وشر الساحر؛ لأن الاستعاذة من شر هذين تعم كل شر يأتي من شياطين الإنس والجن0 فالحسد من شياطين الإنس والجن، والسحر من النوعين0 وبقي قسم ينفرد به شياطين الجن، وهو الوسوسة في القلب0 فذكره في السورة الأخرى، كما سيأتي الكلام عليها، إن شاء الله تعالى0

فالحاسد والساحر يؤذيان المحسود والمسحور بلا عمل منه0 بل هو أذى من أمر خارج عنه0 ففرق بينهما في الذكر في سورة الفلق0 والوسواس؛ إنما يؤذي العبد من داخله بواسطة مساكنته له، وقبوله منه0 ولهذا يعاقب العبد على الشر الذي يؤذيه به الشيطان من الوساوس التي تقترن بها الأفعال والعزم الجازم؛ لأن ذلك بسعيه وإرادته بخلاف شر الحاسد والساحر0 فإنه لا يعاقب عليه؛ إذ لا يضاف إلى كسبه، ولا إرادته0 فلهذا أفرد شر الشيطان في سورة، وقرن بين شر الساحر، والحاسد في سورة0

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير