تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ومنهم من يؤدي ما سمعه ممن أخذ عنه، ليس عنده إلا الأداء لما تعلم، ولا يعرف الإعراب ولا غيره، فذلك الحافظ، فلا يلبث مثله أن ينسى إذا طال عهده فيضيع الإعراب لشدة تشابهه، وكثرة فتحه وضمه وكسره في الآية الواحدة، لأنه لا يعتمد على علم العربية، ولا به بصر بالمعاني يرجع إليه، وإنما اعتماده على حفظه وسماعه وقد ينسى الحافظ فيضيع السماع وتشتبه عليه الحروف، فيقرأ بلحن لا يعرفه وتدعوه الشبهة إلى أن يرويه عن غيره، ويبرئ نفسه، وعسى أن يكون عند الناس مصدقاً فيحمل ذلك عنه وقد نسيه ووهم فيه، وجسر على لزومه والإصرار عليه، أو يكون قد قرأ من نسي وضيع الإعراب، ودخلته الشبهة فيتوهم، فذلك يقلد القراءة ولا يحتج بنقله، ومن حملة القرآن من هو على مستوى يؤهله إلى معرفة إعراب القراءة ويبصره بمعانيها ولكنه لا يعرف القراءات ولا تاريخها مع جهله بمصادر الرواية، وقد يحمله ذلك على أن يقرأ بحرف يجوز لغة وإعراباً مع أنه لم يقرأ به أحد من السابقين، وهذا يوصله إلى أن يبتدع قراءة جديدة، ومنهم من يعرف قراءته، ويبصر المعاني، ويعرف اللغات، ولا علم له بالقراءات واختلاف الناس والآثار، فربما دعاه بصره بالإعراب إلى أن يقرأ بحرف جائز في العربية لم يقرأ به أحد من الماضين فيكون بذلك مبتدعاً) (161).

ولكن لماذا اختار ابن مجاهد هؤلاء السبعة تحديداً؟

في الحقيقة لم يكن ابن مجاهد يبحث عن قراءات سبع، ولا عن سبعة قراء حينما اتجه ببحثه هذا، غاية الأمر أنه كان يبحث عن المتواتر وصادف أنه لم يجتمع لديه من أسانيد التواتر بالشروط المعتبرة إلا سبعة، فضبطها وحررها ودوَّن أصولها وفرشها، والظاهر أنه صنف أولاً سبعة كتب، كل كتاب في قراءة، كلما ثبت عنده تواتر قراءة أفردها بكتاب، حتى إذا اكتمل لديه الاختيار صنف كتابه الشهير السبعة في القراءات.

ومنهج ابن مجاهد في كتابه أنه بدأ بذكر أسماء القراء السبعة وأصول كل واحد منهم واختياراته في شأن الهمزات والإمالات والإدغامات والياءات وغير ذلك من الأصول، ثم بدأ بذكر فرش الحروف فكان يسمي اختيار كل منهم من غير توجيه للفرش، وعلى ذلك فقد دون مواضع اختلافهم في القرآن الكريم باستقصاء كامل. وقد صار منهج ابن مجاهد إماماً للناس من بعده فاقتفى أثره كل الذين كتبوا من بعده في هذا الفن.

وأشهر الكتب التي نهجت نهجه:

التيسير في القراءات السبع: أبو عمرو الدَاني (162).

نظم التيسير المسمى حرز الأماني: للقاسم بن فيّره بن القاسم الشاطبي (163).

سراج القاري: لابن القاصح العذري (164).

ـ شروح الشاطبية الأخرى كالسخاوي والفاسي وأبي شامة وابن جبارة، والجعبري.


(157) السبعة في القراءات لابن مجاهد. تحقيق د. شوقي ضيف ص 47، وهذه الشروط مستفيضة ولا يخلو من الإشارة إليها كتاب من كتب القراءات.
(158) نظم طيبة النشر لابن الجزري، بيت رقم 56.
(159) معرفة القراء الكبار جـ1 ص 217
(160) غاية النهاية لابن الجزري جـ1 ص 142
(161) مقدمة ابن مجاهد لكتابه السبعة في القراءات ص 45 - 46
(162) طبع في استانبول عام 1920 بتحقيق أوتوبرتزل من جمعية المستشرقين الألمان،
(163) طبع طبعات كثيرة، أجودها طبعة حققها وأخرجها محمد تميم الزعبي وصدرت عن مكتبة دار الهدى بالمدينة المنورة.
(164) طبع في مكتبة مصطفى البابي الحبي وأولاده بمصر.
أهمية الكتاب: صنف ابن مجاهد كتابه هذا في وقت كان يعتبر فيه (شيخ القراء) في عاصمة الخلافة الإسلامية (بغداد) ولا شك أنه كان لموقعه المميز هذا أكبر تأثير في رواج الكتاب وتداوله. ومن هنا تعلم سر انتشار الكتاب وشهرته في الآفاق. أما مناط تأثير الكتاب فيتمثل في أنه كرَّس الرأي القائل:
بأن القراءات توقيفية لا يجوز فيها الاجتهاد وقطع الطريق على الذين يقولون بجواز الاجتهاد في القراءة وأنها تدور على اختيار الفصحاء وعلى رأسهم الزمخشري.
المرجع القراءات لمحمد حبش

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير