تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

التداخل و التمازج في المعاني.

فهو حينما يبدأ بعرض قصة لا يدعك - و لو في مرحلة من مراحلها - تنسى ذلك المعنى الكلي الذي ذكرناه، فهو يخللها بما ليس منها من تهديد أو وعد أو وعيد أو نصيحة أو وعظ تحقيقًا للغرض الذي من أجله تساق القصة، و حفظًا للفكر أن يتشتت مع أجوائها و أحداثها فينسى مساقها الأصلي.

و هو حين يشرح لك أحكامًا في العبادات أو المعاملات أو غيرها، يسلك بك أيضًا نفس المنهج فهو يحاذرأن تستغرق في التأمل في هذه الأحكام من حيث هي علم أو فن برأسه، كما قد يحصل مع من ينكب على دراسة هذه الأحكام في الكتب العلمية الخاصة بها، فيوصلها بآيات ليست منها، فيها وعد أو وعيد أو حديث عن الاخرة أو دليل على وجود الله و عظمته، ليتنبه الفكر، و يظل مستيقظًا للحقيقة الكبرى التي تطوف بها جميع المعاني و الأبحاث.

و لو أن القرآن اتبع في عرض معانيه، هذا الذي يسلكه الناس في تآليفهم و أبحاثهم، فأفرد فصولاً خاصة لعرض الأحكام و التشريع، ثم ميز فصلاً آخر للقصص، و جاء بفصل ثالث في وصف المغيبات كالجنة و النار و هكذا ... لو درج القرآن على ذلك لفات تحقيق الغرض الذي ذكرناه، و لما أمكن أن تكون هذه الفصول المتناثرة انعكاسًا لمعنى كلي واحد تشترك في بثه و التوجيه إليه، و لئن أمكن أن يتذكر القارئ ذلك في تمهيد أو في فصل من الفصول فلسرعان ما ينساه عندما يستغرق في قراءة أو دراسة الفصول الأخرى. و إن هذا الذي نقول، ليس من الحقائق المستعصية أو الخافية على من يصدق التأمل و النظر في كتاب الله تعالى. انتهى الاقتباس

نفهم من هذا الكلام أن المقصود من القرآن هو تقرير أمور الدين من توحيد و عبادات و معاملات و ثواب و عقاب، و هذه المقاصد لم ترتب في القرآن حسب اتحاد موضوعاتها و لكنها مفرقة في السور ة ممزوجة ببعضها البعض، فالقصد الأول تهذيب النفوس، و إعدادها لحياة أبدية سعيدة، و تنظيم الروابط بين الناس، و توجيههم لله وحده، يحيون له، و يعملون بأمره، و يستمدون منه .. و حول ذلك كله يدور إيراد المعلومات الأخرى.

و يؤيد هذا ما يعترض بعض الآيات أو يرد في نهايتها تذييلاً لحكم أو أحكام للتذكير بالله، و التسليم له، و التعريف بسننه، و الحث على الأخلاق الفاضلة، و التنبيه لفعل الخير، و التذكير بالآخرة. و ما أعد الله للمحسنين و المسيئين من ثواب، و للمسيئين من عقاب، و من أمثلة ذلك:

قوله تعالى {و أنه تعالى جد ربنا ما اتخذ صاحبة و لا ولدًا} فالجملة الاعتراضية هنا تعني جلت عظمة ربنا فهو تنزيه لله سبحانه عن اتخاذ الولد و الصاحبة.

و قوله {و نبلوكم بالشر و الخير قتنة و إلينا ترجعون}

و قوله {و قدموا لأنفسكم و أتقوا الله و اعلموا أنكم ملاقوه و بشر المؤمنين}

و من امثلته أيضًا الانتقال من الشئون الدنيوية إلى التذكير بالله و اليوم الآخر لتلتفت القلوب من التفكير في متاع الدنيا الزائل إلى نعيم الآخرة الدائم. و بذلك يجذبها من شواغلها المادية ليوجهها إلى طلب الحق و الاستعداد للقاء الله.

{و جعل لكم من الفلك و الأنعام ما تركبون. لتستووا على ظهورهم ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه و تقولوا سبحانه الذي سخر لنا هذا و ما كنا له مقرنين و إنا إلى ربنا لمنقلبون}

نبه بالسفر الحسي إلى السفر إليه تعالى، و نقل القارئ من التفكير في الرجوع للأهل إلى التذكير بالرجوع إلى الله.

{قال هذا رحمة ربي فإذا جاء وعد ربي جعله دكًا و كان وعد ربي حقًا}

لما أتم ذو القرنين بناء السد شكر الله و ذكر أن للسد مع متانته أجلاً ينتهي فيه ككل مخلوق، فانتقل إلى التذكير بالوعد الحق و هو قيام الساعة و زوال كل ما على الأرض فقال "و كان وعد ربي حقًا".

{فرددناه إلى أمه كي تقر عينها و لا تحزن و لتعلم أن و عد الله حق و لكن أكثرهم لا يعلمون}

أي و لتعلم أن وعده تعالى برده إليها حق و هو وعده السابق لها في قوله {إنا رادوه إليك و جاعلوه من المرسلين} و التقدير و لكن أكثرهم لا يعلمون أن وعده حق و المراد وعده تعالى بالبعث.

{و الخيل و البغال و الحمير لتركبوها و زينة و يخلق ما لا تعلمون. و على الله قصد السبيل و منها جائر}

و المعنى إلى الله السبيل القاصدة المستقيمة و هي طريق الشرع أما غيرها من طرق الشيطان فجائر محفوف بالمخاطر.

{الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث و لا فسوق و لا جدال في الحج و ما تفعلوا من خير يعلمه الله و تزودوا فإن خير الزاد التقوى}

انتقل من الاجتماع العالمي الحاشد و التزود له بالمأكل إلى التذكير بالحشر و التزود له بالتقوى.

{يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسًا يواري سوءاتكم و ريشًا و لباس التقوى ذلك خير}

ذكر زينة الظاهر باللباس، ثم لفت النظر لخير ما يتجمل به المؤمن و هو زينة الباطن بالتقوى.

{و الاتي تخافون نشوزهن فعظوهن و اهجروهن في المضاجع و اضربوهن فإن اطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً إن الله كان عليًا كبيرًا}

نقل القارئ من ظنة السيطرة و الاستعلاء لدى الزوج إلى تذكيره بأن عليه رقيبًا أعلى و أكبر.

و لا ننس أن نختم كلامنا بالحديث عن مكانة هؤلاء المستشرقين المعادين للقرآن، يقول عباس العقاد في (الإسلام دعوة عالمية) ص173:

و هناك أوهام كثيرة أشاعها المستشرقون بسبب تفسيراتهم الخاطئة لكثير من أمور اللغة و الدين. و منها ما كتبه بعض المستشرقين تفسيرًا لاسم أبي بكر رضي الله عنه من أنه "أبو العذراء"!!

و منها ما قالوه في تفسير لمعنى "القصيد" من أنه المقصود!!

و منها أيضًا ما تورط فيه ذلك المستشرق من خطأ معيب في تفسيره لقوله تعالى: {و ترى الملائكة حافين من حول العرش}.

بقوله: "أي بدون أحذية"!!

ذلك أنهم على غير علم دقيق باللغة العربية، و ليس هذا غريبًا فهم لا يفهمون أدب أمتهم و لا يجيدون معرفة هذا الأدب في لغتهم. فمن باب أولى ألا يحسنوا فهم الأدب العربي! و قد كانت لهم مكانة أكثر مما يستحقون حتى وقفنا أمامهم و وضعناهم في موضعهم!

انتهى الاقتباس

و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير