تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[مساعد الطيار]ــــــــ[10 Feb 2007, 04:55 م]ـ

الأخ الفاضل أبا فاطمة

لقد أثرت سؤالاً مشكلاً بلا ريب، والأمر يحتاج إلى نظر علمي بلا عاطفة أو تحيُّز مذهبي، وأحب أن أذكر الموضوع في نقاط:

أولاً: إن ابن عرفة الورغمي الماكي وابن حجر الهيتمي أشعريان، وقد اشتد نكيرهما على ابن عطية، وهو أشعري كذلك ـ رحم الله الجميع ـ فصار الكلام منصبَّا في هذه المدرسة، وكلامهما ـ كما تراه ـ عنيف وقوي على مفسر هذا التفسير، فهما يتهمانه صراحة بالاعتزال، ويحذران منه أشد من تحذيرهما من كشاف الزمخشري.

ثانيًا: إن كلام ابن تيمية، وهو من رفع لواء الانتصار لمذهب السلف ـ أدق من كلام ابن عرفة وابن حجر؛ لأنه يصفه بأنه اتبع من قرر أصوله من جنس ما قررت المعتزلة به أصولهم، والذي ظهر لي من خلال قراءة هذا التفسير أن مراد ابن تيمية مسألة تقديم العقل على النقل، وتفصيل هذا الموضوع ليس هذا محله، ومن أراد الاستزادة في هذا فلا مانع أ، يراسلني على الخاص لأوقفه على شيء من هذه المسائل؛ لكيلا يخرج النقاش عما طرحه الأخ الفاضل أبو فاطمة.

ثالثًا: إن ابن عطية لم يكن معتزليًا البتة، بل هو يقرر المعتقد على مذهب الأشاعرة، وقد تأصل بكتب أبي المعالي الجويني، وأبي الطيب الباقلاني، وغيرهما من متكلمي الأشاعرة، كما ذكر ذلك في كتابه المعنون بـ (فهرست ابن عطية).

والدليل على ذلك أني وقفت على اكثر من أربعين موطنًا يرد فيها على المعتزلة صراحة، وكان رده عليهم متنوعًا في مجموعة من عقائدهم، ومن أمثلة ردِّه ما يأتي:

1 ـ في وقوله تعالى: {ومما رزقناهم ينفقون} قال: (والرزق عند أهل السنة. ما صح الانتفاع به حلالاً كان أو حراماً، بخلاف قول المعتزلة إن الحرام ليس برزق).

2 ـ قال واختلف المتأولون في قوله تعالى: {يضل به كثير ويهدي به كثيراً} فقيل هو من قول الكافرين، أي ما مراد الله بهذا المثل الذي يفرق به الناس إلى ضلالة وإلى هدى؟ وقيل بل هو خبر من الله تعالى أنه يضل بالمثل الكفار الذين يعمون به، ويهدي به المؤمنين الذين يعلمون أنه الحق. وفي هذا رد على المعتزلة في قولهم: «إن الله لا يخلق الضلال» ولا خلاف أن قوله تعالى: {وما يضل به إلا الفاسقين} من قوله الله تعالى.

3 ـ قال في قوله تعالى: (ما ننسخ من آية أو ننسها): والمنسوخ عند أئمتنا: الحكم الثابت نفسه: لا ما ذهبت إليه المعتزلة، من أنه مثل الحكم الثابت فيما يستقبل، والذي قادهم إلى ذلك مذهبهم في أن الأوامر مرادة، وأن الحسن صفة نفسية للحسن، ومراد الله تعالى حسن، وقد قامت الأدلة على أن الأوامر لا ترتبط بالإرادة، وعلى أن الحسن القبح في الأحكام إنما هو من جهة الشرع لا بصفة نفسية.

4 ـ قال في قوله تعالى: وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ (165): (وثبتت بنص هذه الآية القوة لله بخلاف المعتزلة في نفيهم معاني الصفات القديمة).

5 ـ في تفسير قوله تعالى: (الحي القيوم)، قال: {الحي} صفة من صفات الله تعالى ذاتية، وذكر الطبري، عن قوم أنهم قالوا: الله تعالى حي لا بحياة. وهذا قول المعتزلة وهو قول مرغوب عنه، وحكي عن قوم أنه حي بحياة هي صفة له، وحكي عن قوم أنه يقال حي كما وصف نفسه، ويسلم ذلك دون أن ينظر فيه، و {القيوم} فيعول من القيام أصله قيووم اجتمعت الياء والواو وسبقت إحداهما بالسكون فأدغمت الأولى في الثانية بعد قلب الواو ياء، وقيوم بناء مبالغة أي: هو القائم على كل أمر بما يجب له، وبهذا المعنى فسره مجاهد والربيع والضحاك).

وهناك غير هذه الأمثلة في الرد الصريح،، لذا لا زلت أستغرب كلام هذين العالمين ـ ابن عرفة وابن حجر الهيتمي ـ لأنهما لا يمكن أن يصدرا مثل هذا القول عن جهل وعدم تحقيق، خصوصًا إذاعلمت أن ابن عرفة المالكي قد اعتمد كتاب ابن عطية مصدرًا من مصادره في مجالس التفسير التي كان يعقدها، وقد قرأه ـ فيما يظهرـ قراءة فاحصة، ولم أقف ـ فيما طُبع من تفسير ابن عرفة ـ على انتقاده لابن عطية من هذا الجانب.

ومن الأمور المهمة لمن أراد أن يتصدى لبيان ما وقع فيه ابن عطية من موافقة للمعتزلة ـ إن كان وقع ـ أن يكون عارفًا بدقائق المذهب الاعتزالي؛ ليظهر له بالموازنة موافقات ابن عطية لهم.

رابعًا: هناك فائدة زائدة على السؤال، وهي أن تفسير ابن عطية على اسمه (تفسير محرر)، وهو من أصول كتب التفسير المهمة التي يحسن بطالب العلم اقتناؤها والاستفادة منها، وأن لا يدعوه ما يُحكى من مثل هذا الكلام عن ابن عطية أن لا يستفيد منه، بل إن فيه من حسن التعليق على كلام السلف، وتوجيه أقوالهم ما لا تجده في غيره، ولقد ظهر لي أن هذه السمة من السمات البازوة في تفسير ابن عطية رحمه الله.

تنبه: أرجو أن لا يخرج الموضوع عن حد السؤال، والله الموفق للصواب.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير