ولعل ما قاله القرطبي وابن كثير في التفسيريْن أقرب المراد من الآية الكريمة والله تعالى أعلم، وليس في سياق الآية ما يعطي معنى التحدي، بل يظهر نعم الله تعالى على الإنسان، ولكن هذا الكلام كله يتعلق بالخزن تحت سطح الأرض، أو بحفظه في خزائن الله سبحانه وتعالى، فما القول في الخزن وراء السدود فوق الأرض؟؟
إن إحصائية عام 1990 م تقول بأن في العالم / 38000 / سد من السدود الكبيرة، ولكن المياه المستخدمة بالفعل لا تزيد عن 15% فقط.
وتقول مديرة مشروع السياسات المائية العالمي ? ساندرا بوستل ? في لقاء أجرته معها إذاعة لندن في تقرير مفصل حول المياه:
(في واقع الأمر أننا نستفاد من 30% فقط من كل المياه التي تتدفق من اليابسة إلى البحر كل عام، أي تلك التي تتدفق من الأنهار والمجاري والطبقات الصخرية المائية، والطريقة التي نحصل بها على هذا الماء هي:
1 ـ إما أن نحفر بئراً لاستخراج المياه الجوفية.
2 ـ أو نبني سداً لنتحكم في ماء النهر.
ومن نسبة 30% المتاحة أمامنا نجد أننا نستخدم بالفعل أكثر من نصف هذه النسبة (أي 15% فقط)، ومن ثَمَّ فإن ما يتبقى لنا من موارد مائية محدودة للغاية).
ثم قالت: (ومن دواعي الأسف أن الإكثار من تحويل مجرى الأنهار يمكن أن يسبب مشاكل غير متوقعة، ومن الصعب عادة إدراك مثل هذه المشاكل إلا بعد أن تحدث).
واستشهدت بما حدث في الاتحاد السوفييتي السابق في الخمسينات، حينما حول المخططون السوفييت مجرى نهرَيْن كبيرين يغذيان (بحر أورال) من أجل زراعة القطن في بعض الدول الواقعة في آسيا الوسطى، ونتيجة ذلك لم تعد البحيرة ـ التي كانت رابع أكبر بحيرة في العالم ـ تمتلئ ثانية بالماء وبدأت تنكمش، ففقدت البحيرة نصف مساحتها وثلاثة أرباع حجمها، ومن النتائج السيئة التي حلت بتلك البحيرة، اختفاء عشرين فصيلة من فصائل الأسماك الأربعة والعشرين التي كانت موجودة، وأدى ذلك إلى اختفاء صناعة الأسماك التي كان يعيش عليها نحو 60 ألف شخص، ونقصت الأراضي الخصبة في الدلتا () بنسبة 85% مما يعني أيضاً اختفاء الطيور والحياة البرية، إضافة إلى ذلك فإن عدم تدفق الماء جعل مياه البحيرة أكثر ملوحة، كما أن الملوثات التي تحملها الأسمدة أصبحت مركزة إلى حد السمومية، ويسبب ذلك كله مشكل صحية شديدة وخطيرة.
ومن أكبر وأهم مشاكل السدود، مشكلة رواسب الطين المجتمعة خلف السدود، فهذه الخزانات الفسيحة ستمتلئ يوماً من الأيام بالطين والرسوبيات، وما بحيرة (ميد) الذي يقع أمام سد (هوفر) إلا مثال واقعي على تجمع الوحل والرسوبيات، وتأتي هذه الرواسب بفعل جرف المياه لحبيبات التربة من قاع وضفاف النهر.
وهناك مشكلات أخرى تتعرض لها السدود، فلربما تنهار في بعض الأحيان وتؤدي إلى كوارث، كما حدث لسد (فيجاري تيرا) في عام 1959م والمقام على نهر (تيرا) الإسباني، وما كارثة سد ? زيزون ? في سوريا عنا ببعيد، ففي يوم الثلاثاء 4 حزيران 2002م، تصدع سد زيزون وانهار، وأدى إلى خسائر جسيمة.
كما يمكن أن ينهار سد بشكل لا يمكن أن يتنبأ به المهندس، وذلك بتعرضه إلى زلزال أرضي، مع أن بناة السدود يتحرون الابتعاد عن خطوط الزلازل، كما حدث لسد
(هبجين) على نهر ? ماديسون ? في مونتانا عام 1959م.
وفي عام 1959م أيضاً انهار سد ? ملباسيت ? على نهر (ريوان) واقتحم السيل مدينة ? فريجوس ? وقضى على / 421 / شخصاً ().
ومن مشكلات السدود الحروب والمعارك، ففي الحرب العالمية الثانية، نسف سلاح الطيران البريطاني ثلاثة سدود ألمانية، محدثاً نكبة رهيبة، ودمرت جزءاً كبيراً من المنطقة الصناعية في حوض ? الروهر ?، وكذلك حطم سلاح الطيران الأمريكي سداً في إيطاليا سنة 1944م، فغمر الجيوش الألمانية بالماء، وعمد الروس إلى نسف سد
? دنيبر ستروي ? () الروسي سنة 1941م حتى لا يسقط في أيدي الجيوش النازية.
البرزخ والحاجز والحجر المحجور:
قال الله تعالى: ? وهو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج وجعل بينهما برزخاً وحجراً محجوراً ? ().
ويقول أيضاً: ? مرج البحرين يلتقيان. بينهما برزخ لا يبغيان. فبأي آلاء ربكما تكذبان. يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان ? ().
¥