وكلمة (مرج) تعطينا معنى القلق والاضطراب، وكأن هذه الكلمة تشير إلى ظاهرَتَيْ المد والجزر () اللتين تحدثان في كل يوم وليلة، فينتج عنهما أيضاً دفع الحاجز بينهما إلى الأمام أو الخلف، ويتحقق معنى القلق والاضطراب في معنى ? مرج ?.
الأرض الهامدة والأرض الخاشعة:
?ـ قال الله تبارك وتعالى: ? يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الأرْحَامِ مَا نَشَاء إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الأرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيج ? ().
?ـ وقال سبحانه وتعالى: ? وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الأرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ? ().
الأرض الهامدة:
في الآية الأولى يخاطب الله تبارك وتعالى الناس جميعاً، إن كانوا في شك من البعث بعد الموت، فهاهو الدليل الذي لا مراء فيه، فإن الله تعالى خلق الإنسان من تراب، ثم من نطفة ماء، ثم من علقة وهي قطرة الدم، ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة، ثم تحولت الآية لتصور مشهداً آخر عن مقدرة الله تبارك وتعالى، فهذه الأرض الهامدة:
قال في لسان العرب: الهامِدةُ: الأَرضُ المُسْتَنّة، وهُمُودُها: أَن لا يكون فيها حياةٌ ولا نَبْت ولا عُود ولم يصبها مطر.
فالأرض الهامدة التي لا حياة فيها، يابسة مجدبة قاحلة، وقد أخذ الشح منها كل مأخذ، فبدت صفراء شاحبة، فتدركها رحمة الله تبارك وتعالى لتعيد رسم الصورة من جديد بألوان زاهية، تعطي للحياة روحها، وللأشكال ألوانها: ? فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيج ?، حقاً إنها عظمة الخالق سبحانه وتعالى ليس بعدها عظمة.
قارن الله تعالى بين خلق الإنسان وخلق النبات، لأنهما يشتركان في أمرين اثنين:
1 ـ خلق الإنسان من تراب، قال الله تبارك وتعالى: ? فإنَّا خلقناكم من تراب ?، وكذلك خلق النبات من تراب، فقال تبارك وتعالى: ? وَتَرَى الأرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ ?، فالإنسان والنبات من أصل واحد وهو التراب.
وفي القرآن آيات تذكر بأن الإنسان خلق من طين فقال تبارك وتعالى: ? وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنسَانِ مِن طِينٍ ? ()، فهذه الآية أعطت تصنيف التربة التي خلق منها الإنسان وهي مادة الطين، ونستنتج من خلال الترابط والمقارنة بين بدء خلق الإنسان وبدء خلق النبات، أن الأرض المقصودة في الآية الكريمة والتي أنزل الله تعالى عليها الماء فاهتزَّت وربت وأنبتت، إنما هي أرض طينية كالتي خلق منها الإنسان.
2 ـ حياة الإنسان بدأت بوجود الماء فقال تعال: ? ثم من نطفة ?، وكذلك حياة النبات بدأت بوجود الماء فقال تعالى: ? فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزَّت وربت وأنبتت ?.
وفي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ?: ((ما بين النفختين أربعون. قال أربعون يوماً؟ قال (أي أبو هريرة): أبيتُ، قال أربعون شهراً؟ قال: أبيتُ، قال أربعون سنة؟ قال: أبيتُ (أي أبى أبو هريرة أن يحدد الأربعين أهي يوماً أو شهراً أو سنة)، قال (أي النبي?): ثم ينزل الله من السماء ماء فينبتون كما ينبت البقل، ليس من الإنسان شيء إلا يبلى إلا عظماً واحداً وهو عجبُ الذنب، ومنه يركب الخلق يوم القيامة)) ().
ما أشبه خلق الإنسان بالنبات، عجب الذنب مثل حبة خردل منه ينشأ الإنسان تماماً كالنبات، فسبحان الله!!
الأرض الخاشعة:
¥