تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وقال سبحانه وتعالى: ? وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الأرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ? ().

الأرض الخاشعة: هي الأرض الذليلة، قال في لسان العرب: والخاشِعُ من الأَرض: الذي تُثِيره الرّياح لسُهولته فتمحو آثارَه. وقال الزجاج: وقوله تعالى: ومن آياته أَنك ترى الأَرض خاشعة، قال: الخاشِعة المتَغَبّرة المُتَهَشِّمة، وأَراد المُتهشِّمةَ النبات.

فالأرض الخاشعة هي الأرض التي فيها حياة ونبات ولكنها تلفظ أنفاسها الأخيرة، تترنح على شفا جرف هار، تستغيث بخشوع وتذلل وانكسار وذبول لما أصابها من جفاف وقلة ماء، ومن مظاهر الأرض الخاشعة أنك ترى الأرض مليئة بالنباتات المختلفة في أنواعها وأشكالها،ولكنها جميعاً مشتركة في صفة واحدة، أنها جميعاً متهدلة الأغصان، مصفرة الأوراق أو تكاد، فأكدت الآية أن هذه الأرض الخاشعة بأمسِّ الحاجة إلى قطرات الماء لتستأنف نشاطها الحيوي الذي توقف أو كاد ().

وأثبت العلم الحديث في علم النبات: أن النبات يمر بمرحلتَيْ ذبول:

1ـ مرحلة الذبول المؤقت.

2 ـ مرحلة الذبول الدائمي.

وبين هاتين المرحلتين يكون النبات على قيد الحياة المهددة بالموت، ففي حالة الذبول المؤقت تكون الأرض خاشعة، فإذا زوِّد بالماء استأنف حياته الطبيعية، أما إذا تجاوز مرحلة الذبول الدائمي، فإنه لا رجعة له بعد ذلك إلى الحياة، ويكون قد مات.

ولو أمعنا النظر في نص الآية، لوجدناها تضع الهالات حول موضوع النشأة وإعادة الخلق، فما هذه الأرض الخاشعة إلا ساحة نشرت فيها القبور (قبور النباتات وهي كقبور بني آدم) إن الذي أحياها لمحي الموتى، وهذا شأن الباري جل جلاله يحيي ويميت، وهو حي لا يموت.

وقوله تبارك وتعالى: ? اهتزت وربت ? يشير الله تبارك وتعالى بهذين اللفظين إلى عملية انتفاخ التربة ()، حيث تملأ الفراغات الموجودة بين حبيبات التربة، (اهتزت) أي تحركت حبيبة التربة بشكل منفرد وبمعزل عن بقية الحبيبات المجاورة لها، حركة خطية باتجاه واحد، وتمثل هذه الكلمة (اهتَزَّتْ) الهزات الأرضية الناتجة عن انتفاخ التربة،

أما إذا تحركت الحبيبات بصورة مجتمعة، فسوف تتحرك التربة وتنتفخ بجميع الاتجاهات، وهذه العملية تعطي معنى كلمة (ورَبَتْ) أي نمت وزادت.

وظاهرة انتفاخ التربة تعد من أعقد المشاكل أمام المهندس المدني، لما لها من أضرار تؤثر على المنشآت المشيدة وعلى نطاق عالمي، حيث تشير الإحصائيات إلى أن الأضرار الناتجة عن مشكلة الانتفاخ تساوي ضعف الأضرار الناتجة عن تأثيرات الهزات الأرضية والأعاصير والفيضانات تقريباً.

وحرف العطف (و) يفيد الجمع أي أن العمليتين تحدثان في وقت واحد، حيث إن عملية (اهتَزَّتْ) تعدُّ جزءاً من عملية (رَبَتْ)، فهناك تداخل وتلاحم بين الحركتين، ولا يمكن حدوث إحداهما دون الأخرى.

ونلاحظ أيضاً أن الآية من سورة الحج ذكرت كلمة (وأنبتت) إشارة إلى أن الأرض قاحلة جرداء لا نبات فيها، وبعد نزول الماء أنبتت من كل زوج بهيج، بينما في سورة فصلت لم تذكر كلمة (أنبتت) إشارة إلى أن النبات موجود، ولكنه بحاجة إلى الماء ليستأنف النشاط الحيوي من جديد ().

وهكذا نجد أن إرادة الله تبارك وتعالى شاءت أن تجعل من هذه الآيات القرآنية، آيات كونية يتطرق إليها العلماء والباحثون، كل حسب تخصصه في وقت معين وحتى قيام الساعة، ليكون الجميع على يقين لا تشوبه شائبة، أن هذا الكتاب هو كتاب

خالق الكون ومدبره، والعالم بأسراره ونواميسه، ينثر مفردات قليلة، فتأتي بأمره متناسقة في ترتيب معجز، إنه كتاب الله رب العالمين.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الهوامش والمراجع:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير