تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

إننا لا نستطيع البت في الإجابة على هذا السؤال، لأن كتاب " الإعلام " لأبي العباس القرطبي في حكم المفقود، فهو غير موجود بين أيدينا،ولا نملك نصوصاً منه ـ ولو محدودةـ لنجري مقارنة بينه وبين ما جاء في كتاب " الإعلام بما في دين النصارى من الفساد والأوهام .. " فلنتدبر إذن في أحوال أبي العباس القرطبي هذا، ونقارنها بما كنا قد استخلصناه من صفات توفرت في مؤلف ذلك الكتاب لعلنا نصل إلى شيء فيما نحن بصدد التثبيت منه.

لقد ضنت المصادر علينا بأخبار عن حياة أبي العباس القرطبي في الأندلس، فكل ما نعرفه أنه ولد في سنة 578هـ /1182م في قرطبة، وسمع فيها الكثير (38). على أن ثمة خبراً ذكره أبو العباس عن نفسه يلقي ضوءاً على أحد الجوانب التي تهمنا معرفتها من حياته، وفيما يلي سوف نسوق بعض هذا الخبر بالنص وبعضه الآخر بالمعنى. قال أبو العباس (39) " أني لما وصلت إلى تونس قاصداً الحج سمعت أخباراً سيئة عن البلاد المصرية من جهة العدو الذي غلب على دمياط، فعزمت على المقام بتونس إلى أن ينجلي أمر العدو: ثم ذكر أنه رأى في المنام وكأنه في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه يسلم عليه، وعندئذ زال عنه الخوف وتجدد عزمه على قصد الحجاز، ثم قال: " وسافرت إلى أن وصلت الإسكندرية عن مدة مقدارها ثلاثون يوماً .. فوجدتها والديار المصرية على أشد خوف، وأعظم كرب، والعدو قد استفحل أمره، وعظمت شوكته،فلم أُكمل في الإسكندرية عشرة أيام حتى كسر الله العدو ... " (40)، ثم ختم كلامه بقوله " ثم إن الله تعالى كمل علي إحسانه وإنعامه وأوصلني بعد حج بيته إلى قبر نبيه (41) ومسجده، فرأيته و الله في اليقظة على النحو الذي رأيته في المنام من غير زياد ولا نقصان " (42).

يفهم من خاتمة كلام أبي العباس القرطبي أنه لم يسبق له القدوم إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل هذه المرة، وبالتالي أنه لم يسبق له حج بيت الله الحرام قبلها أيضاً، وإذا كان قد نص على أن وصوله إلى تونس كان بقصد الحج، فإن هذا يُلهم أنه قدم من بلده الأندلس سواء كان مباشرة أو بعد مرور بالمدن المغربية الواقعة إلى الغرب من تونس، فكان خروجه هذا من الأندلس لأول مرة. فالأندلسيون و المغاربة كان أول شيء يحرصون على المبادرة فيه إذا خرجوا إلى المشرق هو التوجه إلى أرض الحجاز لأداء فريضة الحج وزيارة المسجد النبوي (43). وإذا علمنا كذلك أن حادثة دخول العدو النصراني (الصليبيين) دمياط التي أشار إليها أبو العباس قد وقعت في سنة 647 هـ /1249م (44). وأن كسر المسلمين له حدث في محرم سنة 648هـ / 1250م (45) فمعنى ذلك أن خروج أبي العباس القرطبي من الأندلس لأول مرة ووصوله إلى تونس كان في سنة 647هـ 1249م أي بعد أزيد من عشر سنوات على سقوط قرطبة الحادث في سنة 633هـ / 1236م (46).

أما الآن وبعد أن تجمعت لدينا هذه المعلومات الآنفة الذكر الخاصة بأبي العباس القرطبي وما خالطها أيضاً من استنتاجات فلنطبقها على ما عندنا من معطيات كنا قد استخلصناها من قبل عن مؤلف كتاب " الإعلام بما في دين النصارى من الفساد والأوهام ... " فأبو العباس من أهل قرطبة فهو قرطبي إذن، وترجح لدينا أنه لم يخرج إلى المشرق إلا بعد سنوات من سقوط قرطبة عام 633هـ /1236م، وليس هناك شيء يمنعنا من الجزم بأنه وقت تأليف كتاب "الإعلام" بما في دين النصارى من الفساد والأوهام ... " كان أحد علماء قرطبة، فمولده قد ثبت في عام 578هـ/،1182م وقد عُدَّ من مشايخ القرطبي المفسر. ولا يخامرنا شك في اهتمامه بالرد على النصارى بعد الذي نقلناه على لسانه من أقوال تنص على ذلك.

وبناء على هذا التطابق، أو التطابق في بعض الوجوه وعدم التعارض في بعضها بين أحوال أبي العباس القرطبي وبين ما عليه مؤلف كتاب " الإعلام بما في دين النصارى من الفساد والأوهام .. " فالاحتمال كبير أن يكون هذا الكتاب هو الذي عزا إليه أبو العباس عند شرحه لصحيح مسلم، يرجح هذا الاحتمال ما وقفنا عليه من تصريح لأبي العباس برده على النصارى في كتابه " الإعلام "، ثم إنه لم يثبت ـ أعني أبا العباس القرطبي ـ على اسم لكتابه ـ كما رأينا، فتراه سماه " الإعلام بمعجزات التي عليه الصلاة والسلام " وكرة أطلق عليه " الإعلام بصحة نبوة محمد عليه أفضل الصلاة والسلام "

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير