تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

يَسْتَحِقُّ أَنْ يُعْبَدَ دُونَ غَيْرِهِ فَلَا يُطَاعُ الْهَوَى، فَإِنَّ اتِّبَاعَ الْهَوَى يُضْعِفُ عِبَادَةَ اللَّهِ وَحْدَهُ، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ يُونُسَ عَلَيْهِ السَّلَامُ نَدِمَ عَلَى ارْتِفَاعِ الْعَذَابِ عَنْ قَوْمِهِ بَعْدَ أَنْ أَظَلَّهُمْ وَخَافَ أَنْ يَنْسُبُوهُ إلَى الْكَذِبِ فَغَاضَبَ وَفَعَلَ مَا اقْتَضَى الْكَلَامَ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَأَنْ يُقَالَ: {لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ} وَهَذَا الْكَلَامُ يَتَضَمَّنُ بَرَاءَةَ مَا سِوَى اللَّهِ مِنْ الْإِلَهِيَّةِ، سَوَاءٌ صَدَرَ ذَلِكَ عَنْ هَوَى النَّفْسِ أَوْ طَاعَةِ الْخَلْقِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ. وَلِهَذَا قَالَ: {سُبْحَانَك إنِّي كُنْت مِنْ الظَّالِمِينَ}. وَالْعَبْدُ يَقُولُ مِثْلَ هَذَا الْكَلَامِ فِيمَا يَظُنُّهُ وَهُوَ غَيْرُ مُطَابِقٍ، وَفِيمَا يُرِيدُهُ وَهُوَ غَيْرُ حَسَنٍ.

وَأَمَّا آدَم عَلَيْهِ السَّلَامُ فَإِنَّهُ اعْتَرَفَ أَوَّلًا بِذَنْبِهِ فَقَالَ: {ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا} وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَ آدَمَ مَنْ يُنَازِعُهُ الْإِرَادَةَ لِمَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ، مِمَّا يُزَاحِمُ الْإِلَهِيَّةَ بَلْ ظَنَّ صِدْقَ الشَّيْطَانِ الَّذِي {وَقَاسَمَهُمَا إنِّي لَكُمَا لَمِنْ النَّاصِحِينَ، فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ} فَالشَّيْطَانُ غَرَّهُمَا وَأَظْهَرَ نُصْحَهُمَا فَكَانَا فِي قَبُولِ غُرُورِهِ وَمَا أَظْهَرَ مِنْ نُصْحِهِ حَالُهُمَا مُنَاسِبًا لِقَوْلِهِمَا: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا} لِمَا حَصَلَ مِنْ التَّفْرِيطِ، لَا لِأَجْلِ هَوًى وَحَظٍّ يُزَاحِمُ الْإِلَهِيَّةَ وَكَانَا مُحْتَاجَيْنِ إلَى أَنْ يَرُبَّهُمَا رُبُوبِيَّةً تُكْمِلُ عِلْمَهُمَا وَقَصْدَهُمَا حَتَّى لَا يَغْتَرَّا بِمِثْلِ ذَلِكَ، فَهُمَا يَشْهَدَانِ حَاجَتَهُمَا إلَى اللَّهِ رَبِّهِمَا الَّذِي لَا يَقْضِي حَاجَتَهُمَا غَيْرُهُ.

وَذُو النُّونِ شَهِدَ مَا حَصَلَ مِنْ التَّقْصِيرِ فِي حَقِّ الْإِلَهِيَّةِ بِمَا حَصَلَ مِنْ الْمُغَاضَبَةِ وَكَرَاهَةِ إنْجَاءِ أُولَئِكَ، فَفِي ذَلِكَ مِنْ الْمُعَارَضَةِ فِي الْفِعْلِ لِحُبِّ شَيْءٍ آخَرَ مَا يُوجِبُ تَجْرِيدَ مَحَبَّتِهِ لِلَّهِ وَتَأَلُّهِهِ لَهُ وَأَنْ يَقُولَ: {لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ} فَإِنَّ قَوْلَ الْعَبْدِ: لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ، يَمْحُو أَنْ يَتَّخِذَ إلَهَهُ هَوَاهُ.

وَقَدْ رُوِيَ {مَا تَحْتَ أَدِيمِ السَّمَاءِ إلَهٌ يُعْبَدُ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ هَوَى مُتَّبِعٍ} فَكَمَّلَ يُونُسُ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ تَحْقِيقَ إلَهِيَّتِهِ لِلَّهِ، وَمَحْوَ الْهَوَى الَّذِي يُتَّخَذُ إلَهًا مِنْ دُونِهِ فَلَمْ يَبْقَ لَهُ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَامُهُ عِنْدَ تَحْقِيقِ قَوْلِهِ لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ إرَادَةُ تَزَاحُمِ إلَهِيَّةَ الْحَقِّ، بَلْ كَانَ مُخْلِصًا لِلَّهِ الدِّينَ إذْ كَانَ مِنْ أَفْضَلِ عِبَادِ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ) انتهى.

ومن الفوائد المتعلقة بهذا الاسمِ ما أشارَ إليهُِ الشيخُ عبدُ الله بنُ عبد العزيز الحكمة حفظهُ الله تعالى من أنَّ الكفرةَ والجبابرةَ على العُمومِ لا يمسُّهم من العقوبةِ أدناها وأقلها إلا خاروا واعترفوا واستحالت جبروتهم وكبرياءهم ضعفاً وذلةً ومسكنةً وندماً , ودليلهُ على ذلك أنَّ الله تعالى حين تحدَّثَ عن الكفرةِ المكذبين بالله ورُسله وصفهم بقوله (وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذَابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ) فتأمَّل أنَّهُ عبَّرَ بإنْ وهي تحتملُ الوقوعَ وعدمَهُ , ثمَّ أتبعها بلفظِ المسيسِ وهو أدنى ما تحصلُ به الملاقاةُ , ثمَّ جاءَ بكلمةِ النفحةِ وهي تعبيرٌ عن الشيء اليسير القليل , وأردف ذلك بمن التبعيضيَّةِ , ثُمَّ أضافَ العذابَ إلى اسمِ الرَّبِّ المشعرِ بالرحمة واللطفِ ثم أتبع ذلك كلهُ بقوله (لَيَقُولُنَّ يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ) وأكَّدَ هذه النتيجةَ باللامِ والنونِ الثقيلةِ وإنَّ , فكيف لو خلا التعبيرُ من المسيسِ والنفحةِ ومن التبعيضيةِ والإضافةِ إلى اسمِ الربِّ؟

ـ[عمر المقبل]ــــــــ[24 Jan 2010, 11:22 م]ـ

ذكر الشاطبي رحمه الله في "الموافقات" جواباً عن هذا السؤال، فقال ـ كما في ط. مشهور حسن (4/ 203) ـ في كلامه على الأنواع المضافة إلى القرآن،وأنها تنقسم إلى أقسام:

(ومنها: كثرة مجيء النداء باسم الرب المقتضي للقيام بأمور العباد وإصلاحها؛ فكأن العبد متعلق بمن شأنه التربية والرفق والإحسان، قائلًا: يا من هو المصلح لشئوننا على الإطلاق أتم لنا ذلك بكذا، وهو مقتضى ما يدعو به، وإنما أتى "اللهم" في مواضع قليلة، ولمعانٍ اقتضتها الأحوال) انتهى.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير