تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والأولون صنفان: تارة يسلبون لفظ القرآن ما دل عليه وأريد به، وتارة يحملونه على ما لم يدل به، وفي كلا الأمرين قد يكون ما قصدوا نفيه أو إثباته من المعنى باطلاً فيكون خطؤهم في الدليل والمدلول، وقد يكون حقاً فيكون خطؤهم فيه في الدليل لا في المدلول. فالذين أخطئوا في الدليل والمدلول مثل طوائف من أهل البدع اعتقدوا مذهبا يخالف الحق الذي عليه الأمة الوسط الذين لا يجتمعون على ضلالة كسلف الأمة وأئمتها، وعمدوا إلى القرآن فتأولوه على آرائهم: تارة يستدلون بآيات على مذهبهم ولا دلالة فيها وتارة يتأولون ما يخالف مذهبهم بما يحرفون به الكلم عن مواضعه ... " ([11]).

رابعاً: حمل كلام الله على الغالب من عرفه ومعهود استعماله أولى من الخروج به عن ذلك ([12]).

وعرف القرآن ومعهود استعماله مما يتضمنه السياق من جهة أن القرآن وارد على أسلوب منتظم مؤتلف، ومن جهة أن ذلك داخل في السياق القرآني، فالأولى أن يرجح القول الذي يوافق عادة القرآن ومعهود استعماله وسياقه العام، إلا أن يدل دليل من سياق الآية أو دليل آخر على معنى آخر مستقل.

قال شيخ الإسلام: "إذا كان في وجوب شيء نزاع بين العلماء، ولفظ الشارع قد اطرد في معنى، لم يجز أن ينقض الأصل المعروف من كلام الله ورسوله بقول فيه نزاع بين العلماء" ([13]).

وقال الشنقيطي: "ومن أنواع البيان المذكور في هذا الكتاب المبارك الاستدلال على أحد المعاني الداخلة في معنى الآية بكونه هو الغالب في القرآن، فغلبته فيه دليل على عدم خروجه من معنى الآية" ([14]).

ومن أمثلة ذلك ماذكره شيخ الإسلام في بيان رده على من جعل السراح والفراق صريحاً في الطلاق مستدلاً بغالب استعمال القرآن: "الوجه الثاني: وهو القاصم: أن هذه الألفاظ أكثر ما جاءت في القرآن في غير الطلاق" ([15]).

خامساً: توحيد مرجع الضمائر في السياق الواحد أولى من تفريقها ([16]).

إذا جاءت ضمائر متعددة في سياق واحد، واحتملت في مرجعها أقوالاً متعددة، فتوحيد مرجعها وإعادتها إلى شيء واحد أولى وأحسن؛ لأنسجام النظم، واتساق السياق

وقد اعتمد هذه القاعدة أئمة اللغة من المفسرين كابن جرير، والزمخشري، وابن عطية، وأبي حيان وغيرهم ([17]).

قال الزمخشري في ترجيحه لعود الضمير إلى موسى دون التابوت في قوله تعالى: +فاقذفيه في اليمّ" [طه 39]: "والضمائر كلها راجعة إلى موسى، ورجوع بعضها إليه، وبعضها إلى التابوت فيه هجنة، لما يؤدي إليه من تنافر النظم ... ومراعاته أهم ما يجب على المفسر" ([18]).

وقال أبوحيان: "وتناسق الضمائر لشيء واحد أوضح" ([19]).

وقال الزركشي: "إذا اجتمع ضمائر، فحيث أمكن عودها لواحد فهو أولى من عودها لمختلف" ([20]).

سادساً: القول بالاستقلال مقدم على القول بالإضمار، إلا أن يدل السياق على الحذف ([21]).

الأصل في كلام الله تعالى أن يكون كاملاً لا يحتاج إلى تقدير، إلا أن يدل السياق على الحذف؛ لأن الإضمار والحذف والتقدير خلاف الأصل ([22]).

قال أبو حيان: "متى أمكن حمل الكلام على غير إضمار ولا افتقار كان أولى من أن يسلك به الإضمار والافتقار، وهكذا تكون عادتنا في إعراب القرآن لا نسلك فيه إلا الحمل على أحسن الوجوه، وأبعدها عن التكلف، وأسوغها في لسان العرب" ([23]).

ولا يقال بالحذف في كلام الله تعالى إلا بدليل من السياق يدل عليه.

قال ابن جزي في معرض ذكره لأوجه الترجيح التي قررها: "الحادي عشر: تقديم الاستقلال على الإضمار إلا أن يدل دليل على الإضمار" ([24]).

وقال ابن عاشور: "إنك تجد في كثير من تراكيب القرآن حذفاً، ولكن لا تعثر على حذف يخلو الكلام من دليل عليه من لفظ أو سياق" ([25]).

ومثال ذلك قوله تعالى: +وَلاَ تَقُولُواْ ثَلاَثَةٌ" [النساء 171] فإن الحذف هنا ظاهر لدلالة رفع +ثَلاَثَةٌ" بعد القول.

قال ابن جرير: "ورفعت الثلاثة بمحذوف دل عليه الظاهر، وهو (هم)، ومعنى الكلام: ولا تقولوا هم ثلاثة" ([26]).

فنجد أن ابن جرير استدل على وجود الحذف بالسياق، وقدره بحسب سياق الآية

وقال أبو علي الفارسي ([27]) وغيره التقدير: هو ثالث ثلاثة، لموافقته لما ظهر في القرآن في قوله تعالى: +لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ" ([28]). [المائدة 73] وهذا أولى

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير