تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

إننا بعملنا هذا نكتشف خللا كبيرا لا بد من تداركه، وذلك بدعم تدريس العلوم اللغوية في كل التخصصات الشرعية، وأن يبدأ ذلك من السنة الأولى إلى سنة التخرج، مع عقد دورات تكوينية لاستكمال تكوين الطلبة في المجالات اللغوية، وتدريبهم على التكوين الذاتي، بتشجيعهم بالعمل في إطار فريق منسجم. مع تنبيههم إلى أن هذه العلوم ـ علوم الآلة ـ لا يمكن للمتعلم تحصيلها مرة واحدة لينساها أويتجاهلها، لأنها أداة أساسية في الفهم، ومن ثم يتعين تعهدها بالمراجعة والمذاكرة. وكذلك الشأن بالنسبة لعلمائنا الأعلام، حيث كنت تجدهم يعيدون قراءة الكتاب الواحد على شيوخ متعددين و مدى الحياة.

الأمر الثاني الذي يتعين الانتباه إليه قبل العمل على صياغة المقررات الدراسية الجامعية، تتمثل في دعم تكوين طلبة العلوم الشرعية في تقنيات البحث ومناهجه، وعلم المكتبة، والقدرة على الاستفادة من الحاسب الآلي والبرامج المعلوماتية، والإنترنت، باعتبار ذلك وسيلة فعالة تمكن الطلبة من التعلم الذاتي، مما يجعلهم قادرين على الوصول إلى المعلومات التي يحتاجونها، والقدرة على توظيفها في المجالات التي يريدون.

كما يتعين علينا العمل على ابتكار أساليب تواصلية، والانفتاح على تجارب الآخرين، ومحاولة الإفادة منها، مما يزيل الرتابة عن دروسنا ومحاضراتنا، ويرفع السآمة عن الطلاب، ويشوقهم إلى المعرفة، ويرغبهم في العلم والتحصيل، ويحرضهم على البذل والعطاء، والتضحية من أجل تحصيل لذة المعرفة، وخدمة المجتمع.

لا بد لنا من التجديد في الهندسة البيداغوجية، وفي مضامين المقررات، و طرق التدريس وأساليبه، والعمل على توظيف الوسائل التعليمية الحديثة، والإفادة من البرامج المعلوماتية. كما أنه يتعين على القائمين على الجامعات من تكوين الأستاذ الجامعي، وإعادة تكوينه، وتوفير الإمكانيات المادية، و الدعم المعنوي لتمكين الأستاذ الجامعي من تطوير كفاءاته، و تنمية مهاراته.

إن تطويرنا لأساليب التدريس الجامعي، باعتماد التقنيات الحديثة كوسائل تعليمية فعالة، تمكننا من إيصال المعلومات إلى الطلبة بشكل تفاعلي، بدل الاقتصار على أسلوب التلقين والإملاء، مما يجعل من الطلب متلقيا سلبيا، و اعتبار الأستاذ مصدر المعرفة والعلم، بدل أن يكون مصاحبا وموجها ومرشدا، متصفا بالكفاءة العلمية، والنزاهة والأمانة، حريصا على تحقيق مصلحة الطالب باعتباره مستقبل الأمة وأملها. واعتبار مهمة الأستاذ الجامعي أمانة ومسؤولية، لا وظيفة يتلقى نظير القيام بها أجرا. فكم من الأساتذة ـ للأسف الشديد ـ مضيعون للأمانة، متخاذلون في القيام بمسؤولياتهم التربوية والعلمية. فلا تجد ـ إلا من رحم الله ـ من يكد ويتعب، ويجد ويجتهد في تحضير محاضراته ودروسه، والابتكار والإبداع في طرق التدريس وأساليبه. ويتعين على القائمين على الجامعات تحفيز الأساتذة المجدين وتشجيعهم، والضرب على أيدي المتخاذلين والمضيعين للأمانة، والقدوات السيئة.

بعد الوفاء بما ذكرناه يمكننا الحديث عن البرامج التعليمية ذات الطابع المتكامل والشامل والمنسجم داخليا، بحيث تكون المواد المقررة غير متعارضة، وتشكل بناء معرفيا وتربويا متكاملا وفعالا. ومنسجمة خارجيا باستجابتها لحاجيات الطلبة، وملبية لرغباتهم، و مشجعة لهم لمتابعة التحصيل العلمي، و محققة للأهداف المتوخاة.

كما أنه يتعين البدء في التفكير في كل تخصص دقيق لوضع برامجه التعليمية بشكل متكامل ومنسجم، لننتقل بعد ذلك إلى وضع مقرر كل مادة بناء على المستوى الجامعي الخاص.

إن صناعة المناهج التدريسية تحتاج ـ في اعتقادي ـ إلى مثل هذه المواجهة العلمية الصارمة، وإلا فإننا لن نفلح في صيانة تعليمنا العالي من التدهور الذي يشهده، وتدني المستوى الذي يعرفه، بله الوصول إلى تحقيق جودة التعليم، وتخريخ علماء وباحثين أكفاء، يستجيبون لحاجيات مجتمعاتهم، بل لهم القدرة على خلق الحاجة.

إننا نتحمل مسؤولية نتاج الوقائع التي نساهم في إنتاجها بشكل أو بآخر. إنه موقف نقدي من الذات، قبل أن يكون مشروع أجيال و أمة.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير