و ذلك الحديث عام على سبيل العموم، و لم يرد تخصيصه بمخصص؛ فيظل على عمومه حتى يقوم الدليل المغير. و لا دليل هنا. و المماري عليه الدليل.
و الحديث يفيد النهي عن ولاية المرأة القضاء؛ بدلالة عدم الفلاح.
* * *
و قد احتج المجيزون لتولية المرأة القضاء بأمرين:
الأول: تولية عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – امرأة اسمها الشفاء الحسبة في السوق. و هذا لم يصح، و أنكره بنوها، و سيأتي بيانه.
و الثاني: ما نسب إلى الإمام أبي حنيفة من أن المرأة تقضي فيما تشهد فيه. و هذا النقل فيه اختلاف في ألفاظه؛ مما يوهن من ضبط نقله، ولا يصمد أمام الأدلة الشرعية المذكور ة آنفا؛ فضلا عن أن يكون دليلا شرعيا أصلا. و هذا على افتراض صحة عزوه إلى أبي حنيفة، و كذا الحال فيما نسب إلى الإمام الطبري و غيره، و هو ما نفاه الإمامان أبو بكر بن العربي و أبو عبد الله القرطبي. و بيان ذلك:
* قال القاضي ابن العربي في كتابه " أحكام القرآن ":
(المسألة الثالثة: روي في الصحيح {عن النبي صلى الله عليه وسلم قال حين بلغه أن كسرى لما مات ولى قومه بنته: لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة}.
وهذا نص في أن المرأة لا تكون خليفة، ولا خلاف فيه.
ونقل عن محمد بن جرير الطبري إمام الدين أنه يجوز أن تكون المرأة قاضية؛ ولم يصح ذلك عنه؛ ولعله كما نقل عن أبي حنيفة أنها تقضي فيما تشهد فيه، وليس بأن تكون قاضية على الإطلاق، ولا بأن يكتب لها منشور بأن فلانة مقدمة على الحكم، إلا في الدماء والنكاح، وإنما ذلك كسبيل التحكيم أو الاستبانة في القضية الواحدة، بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: {لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة}.
وهذا هو الظن بأبي حنيفة وابن جرير.
وقد روي أن عمر قدم امرأة على حسبة السوق، ولم يصح؛ فلا تلتفتوا إليه؛ فإنما هو من دسائس المبتدعة في الأحاديث). أهـ
و ذكره القرطبي في تفسيره " الجامع لأحكام القرآن ".
* و الاحتجاج بخبر ولاية صحابية حسبة السوق ليس حجة في جواز ولاية المرأة القضاء؛ فضلا عن عدم صحته أصلا؛ حيث أنكره أولادها.
و هذا الخبر ذكره ابن عبد البر و ابن حجر بصيغة التقليل؛ فقالا في ترجمة الصحابية " الشفاء ": (فربما ولاها شيئا من أمر السوق). يعني عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
و هذا لفظ ترجمة ابن عبد البر لها في كتابه " الإستيعاب في معرفة الأصحاب "؛ قال:
الشفاء أم سليمان بن أبي حثمة
هي الشفاء بنت عبد الله بن عبد شمس ابن خلف بن صداد - وقيل ضرار - بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب، القرشية العدوية، من المبايعات. قال أحمد بن صالح المصري: اسمها ليلى وغلب عليها الشفاء. أمها فاطمة بنت أبي وهب بن عمرو بن عائذ بن عمر بن مخزوم، أسلمت الشفاء قبل الهجرة فهي من المهاجرات الأول، وبايعت النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت من عقلاء النساء وفضلائهن، وأقطعها رسول الله صلى الله عليه وسلم داراً عند الحكاكين فنزلتها مع ابنها سليمان، وكان عمر يقدمها في الرأي ويرضاها ويفضلها، وربما ولاها شيئاً من أمر السوق). أهـ
فخبر ولايتها شيئا من أمر السوق روي بصيغة التقليل، و لم يصرح فيه بالحسبة، و هو ما أنكره أولادها؛ قال الحافظ ابن عساكر في " تاريخ دمشق ":
(وكانت الشفاء بنت عبد الله أم سليمان بن أبي حثمة من المبايعات، ولها دار بالمدينة بالحكاكين، ويقال إن عمر بن الخطاب استعملها على السوق، وولدها ينكرون ذلك ويغضبون منه). و أولادها أعلم بها من غيرهم.
و إنما الذي استعمله عمر رضي الله عنه على السوق هو ابنها سليمان؛ ففي " تاريخ دمشق " لابن عساكر قال: (نا أبو بكر بن أبي خيثمة أنا مصعب بن عبد الله قال: سليمان بن أبي حثمة بن حذيفة من صالحي المسلمين، استعمله عمر بن الخطاب على سوق المدينة). أهـ
ولعل اللبس وقع بينهما.
و من هذا و ما قبله: يتبين أن لا حجة للمجيزين ولاية النساء القضاء فيما احتجوا به؛ إذ لم يصح و لم يقم دليل على تخصيص القضاء من عموم النهي عن تولية المرأة الولايات العامة، و لم يثبت استعمال المرأة في نحوه في عصر الصحابة.هذا و الله تعالى أعلم.
{إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ}.
كتبه
د. أبو بكر بن عبد الستار آل خليل
ـ[مصطفى علي]ــــــــ[14 Mar 2007, 07:54 ص]ـ
جزاك الله خيرًا وأحسنت وأبنت
غير أن بمصر لا تشغلهم القضية كفقه بل كأمركة
فمن هذا الذي يحزن على ضياع الحق الشرعي لهن بأنهن حرمن من تولية القضاء (لا أحد)
بل أن من يقف وراء الأستار ويحاول أن يقلب الليل على النهار لإحداث البلاء والفتن هؤلاء هم الذين يثيرون تلك القضايا
هل ثار مثل هؤلاء على تبديل شرع الله في غير تلك المسألة (لا)
هل ثار هؤلاء على تبرج النساء وضياع حق الله تعالى (لا)
هم يؤمنون بفقه الأولويات فهل الأولى ضياع حق الله في تبرج النساء وحشرهن في المواصلات واختلاطهن الشنيع.
يا دكتور إن طالب العلم والمخلص هو الذي يريد الأدلة، أما من يريد الأمركة ولا يبغي عنها حولا
فهؤلاء لا يريدون دليلاً علميًا ولا شروحًا فقهية.
هؤلاء يفحمون بغير الكلمة
ولكن ....
¥