تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

يمنّ على الجميع من الفوز برضاه دنيا وآخرة بالمنازل الفاخرة، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.» ثم قال الملالي معقّبا: «فانظر يا أخي ما أحلى هذا الخطاب الذي لا يصدر إلا من مثله من أولي الألباب، وما احتوى عليه من حسن المواعظ والتزهيد في هذه الدنيا الحقيرة التي صارت عنده رضي الله عنه أهون وأحقر من الذباب.»

الفصل العاشر: في حِلمه. قال الإمام السنوسي في شرحه على اسمه تعالى «الحليم»: هو الذي يسامح عبده الجاني بترك المؤاخذة، مع استحقاقه لها، كرمًا منه ـ تبارك وتعالى ـ، وإمهالِه للعبد الجاني مع إصراره، فضلاً منه، ورعايةً لحكمةٍ ومصلحةٍ في ذلك خفيّة لا يطلع عليها سواه. وحظ العبد منه: الاقتداء بالمولى الكريم ـ جل وعلا ـ، فيقابل الإساءة إليه بالإحسان، وظلم من ظلمه بجميل العفو والغفران.»

هذا كلامه ـ رحمه الله تعالى ـ، وقد نال حظّه من اسمه تعالى «الحليم» أكمل نوال، وتخلق به على أحسن الأحوال، فظهر منه الصفح والمسامحة والغفران، بل ومقابلة الإساءة بالإحسان؛ وقد قال الملالي في ذلك الشأن: «أمّا حِلمُه رضي الله عنه فكان من شأنه أنه لا ينتقم لنفسه، ولا ينتصر لها، فمن عظيم حِلمه أنه ربما يقال فيه ما يكره سَمْعُه، فيتعامى عنه ويرى من نفسه أنه لم يكن شيء من ذلك، ولا يؤثِّر ذلك فيه بالكلية، بل سماعُه لذلك وعدمُ سماعِه على حدِّ السواء عنده، وربما يُظهِر البِشْرَ والتبسُّمَ عند ذلك. ولقد تكلّم رجل بحضرته بكلام قبيح جدًّا يرجع قبحه إلى الشيخ، حتى خجل بعض العارفين من قبح كلامه، وهمَّ أحد أن يسبّه وأن يقيمه من مكانه ويطرده، فأخذ الشيخ رضي الله عنه يتبسم من كلام الرجل ويُظهِر له البِشْرَ والبشاشة في وجهه، بحيث يُظَنّ بالرجل أنه لم يصدر منه سوء، وإنما صدر منه شيء حَسن.»

وقد ساق الملالي وقائع أخرى تدل على عظيم حِلمه رحمه الله تعالى، إلى أن قال: «فهكذا كانت سيرته مع الخلق، فتجده لا يحقد على أحد، ولا يظهر العبوسة في وجه من أساء إليه، بل إذا لقيه الرجل الذي تكلم في عِرضه بدأه الشيخ بالسلام، وفاتحه بالكلام والتحية والإعظام، ولا يظهر له ما يدل على الملام، حتى يعتقد المعتقد أن ذلك الرجل صديقه وحبيبه، ثم إذا غاب الرجل بحث الشيخُ عليه، فإن قيل له: إنه بخير، حمد الله على ذلك. وإن قيل له: إنه مريض، عاده. وإن مات خرج لجنازته إن أمكنه ذلك. هكذا كان حاله مع من تكلم في عِرْضه، فكيف بغيره؟! حتى لا يميز الإنسان بين صديقه وعدوه وقريبه وبعيده.»

الفصل الحادي عشر: في ورعه. قال الملالي: «وأمّا وَرَعُه رضي الله عنه فلا شك ولا خفاء أنه كان أورع أهل زمانه، فمن ورعه وَرَعُه عن الاجتماع مع أبناء الدنيا وأقارب السلطان من الوزراء والقواد ونحوهم، ولا شيء أبغض إليه من الاجتماع بهم والنظر إليهم."

ثم ذكر الملالي جملة من الأحداث التي وقعت بينه وبين السلطان وخواصه وأقاربه، إلى أن قال: «وكان رضي الله عنه لمّا شرع في التفسير بعث له السلطان رسولا وطلب منه أن يطلع عليه ويقرأ التفسير بحضرته كما يطلع غيره من المدرّسين، فامتنع رضي الله عنه من الطلوع إلى السلطان، فلمّا طولب في ذلك ثانيا وثالثا ورأى أنهم قد ألحّوا عليه، كتب رضي الله عنه كتابا إلى السلطان أو إلى وزيره لا أدري إلى أيهما كتب واعتذر له بأنه يغلبه الحياء بذلك كثيرا بذلك الموضع فلا يقدر أن يتكلّم بشيء فيه كما يتكلم في مجلسه المعتاد، فحينئذ آيس السلطان منه وعلم أنه لا حاجة للشيخ به ولا بالاجتماع به، وأنه ليس كغيره من الفقهاء والمدرسين الذين يحبون الدنيا والاجتماع بأهلها والميل إلى زينتها.»

الفصل الثاني عشر: في مواعظه. قال الملالي: «وأمّا مواعظه، فلا شك ولا خفاء أنه كان يقرع الأسماع بمواعظه، وتقشعر منها الجلود، وتلين لها القلوب، كل من حضر مجلسه الشريف يقول: معي هو يتكلم، وإيّاي هو يخاطب.

وكان شأنه في الوعظ كشأن العلماء العارفين الأخيار في مواعظهم، تجده يسرق الخَلْقَ إلى الله ـ تعالى ـ بعبارات لطيفة سهلة، من غير عنف ولا قهر ولا إظهار صلابة في العبارة، عارفًا بما يصلح ويفسد، فانتفع الناس بكلامه انتفاعا عظيمًا، فتجده يسوق الناس إلى الله ـ تعالى ـ بسياسة ولطافة ولين، ويعبّر بعبارة سهلة لا تكلّف فيها، يفهمها الخاص والعام.»

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير