وأضرب مثالا لاتهامه لأحد الأعلام في لمزه لعبد الملك بن جريج، الذي قال عنه ابن حجر: " ثقة فقيه فاضل " [37] وقال الذهبي: " الفقيه أحد الأعلام " [38] فقال الدكتور: " وكان أمويا وروى عنه مجاهد، وعطاء بن رباح، وميمون بن مهران، وابن شهاب الزهري والسفيانان،، ووكيع وعبد الرزاق، وهو وابن عروبة أول من صنف الكتب في الحجاز، ومع هذه الصفات التي توثقه فإنه كان يدلس وتزوج نحو سبعين امرأة لأنه كان يرى رخصة نكاح المتعة، وقد يلقي أصله الرومي، واتجاهه الأموي وأنه يدلس شيئا من الضلال أو الشبهات فيما نرى دون أن يمكن القطع بذلك " [39] ا. هـ.
نعوذ بالله من كلمة يلقيها ابن آدم لا يلقي لها بالاً، وابن جريج إمام من الأئمة، والتدليس أن يروي عمن لم يسمعه بصيغة تحتمل السماع [40]، وكم نسبة ما دلسه ابن جريج مقابل ما صرح فيه بالتحديث؟! والمتعة كان يرى جوازها، وأهل العلم يعتبرون الأمر المخالف للدليل إن فعله صاحبه متأولا = لا يقدح في صاحبه، وإلا لزم رد أحاديث أكثر أهل الكوفة لأنهم يرون شرب النبيذ، وهو على الراجح محرم.
ولعل القارئ يزول عجبه من اتهام الدكتور لا بن جريج إذا سمع اتهامه للصحابة رضي الله عنهم، فقال: " " ومعنى هذا عدم الالتزام بما رووه من أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومن باب أولى عدم الالتزام بما جاء عن الصحابة، لأن الصحابة ليسوا مشرعين " [41].
وقال: " لا يهولنك تلك الروايات وجمهرة الصحابة والتابعين التي رويت على لسانهم أقوال حتى لو صحت جدلا ـ وهي لا تصح ـ فلا قيمة لها لأن الصحابة والتابعين ليسوا ملائكة معصومين، وليس لهم صفة وأن الحديث عنهم بالجمع وجزافا لا بد وأن يكون قابلا للبطلان فليس الصحابة هم الذين أبصروا الرسول لأن الصحبة التي تستحق العدالة هي الصحبة الطويلة والملازمة الدائمة وأن تثبت أعمالها أقوالها " [42]
والذي يهمني في بحثي من الصحابة جميعا هو حبر القرآن وترجمانه ابن عباس رضي الله عنهما، فقد قال الدكتور: " وفي حياة ابن عباس رضي الله عنهما حدث تاريخي وقع عندما ولاه الإمام علي بن أبي طالب ولاية البصرة، ولم يرسل ابن عباس " ميزانية " هذا المصر الهام فاستحثه الإمام علي فتثاقل بينهما مراسلات مؤثرة انتهت بان استحوذ ابن عباس على ما في بيت المال وأخذه ثم ذهب إلى مكة فابتنى قصرا واشترى جواري ... إن هذا الحدث يلقي ظلالا كثيفة على شخصية ابن عباس وعلى المرويات التي تكون قد صدرت عنه فعلا (وليست مكذوبة عليه) لأن لهذا الحدث، بل السقطة الجسيمة دلالتها السئية ولا ينجيه منها أي تأويل ولا نرى ذكرا لهذا الحدث في تراجم ابن عباس لدى المحدثين إما جهلا منهم، وإما تستراً، وإذا كانوا يرفضون المساس بكعب ووهب فما بالك بابن عباس والحق أحق أن يتبع وهو يقضي على الرجال كائنا ما كانوا " [43] ا. هـ
وأترك التعليق على الكلام للقارئ الكريم!!!
وفي المقابل حظي ابن عربي وابن الفارض بما نتمنى أن يحظى به الصحابة رضي الله عنهم في كتابات الدكتور فقال: " وحتى لا نظلم التصوف فيجب أن تعترف أنه بجانب هذه السوءات فقد كانت له حسنات في نشر الإسلام في آفاق جديدة، وفي تنظيم الجماهير وفي مقاومة التكالب على المادة الدنيوية المغرقة، وأنه أبرز شخصيات مثل ابن عربي وابن الفارض اللذين تقبلا كل الأديان ورفعا لواء دين الحب " [44] ا. هـ
فانعكس هذا التصور عن الصحابة على نظرة الدكتور إلى التفاسير فلم يعتد بها، ولم ير لها قيمة تذكر، خاصة تلك التفاسير التي تهتم بالأثر.
ثامنا: الخروج عن كل ما هو معروف والبحث عن كل ما شذ
أصحاب هذا الفكر التجديدي لهم ولع وهلع بالبحث عن مخالفة ما سار عليه المسلمون وهذا الأمر قد لا يختص بالتفسير لكنه على كل العلوم بما فيها تفسير كتاب الله، فلا تستغرب إذا قرأت للدكتور: " ويجوز للمرأة أن تتيمم بدلا من الوضوء بالماء إذا كان الماء يؤذي جمال وجهها كأن يظهر من أثر الوضوء في الشتاء ما يشين هذا إذا كان الوضوء يؤثر على جمال المرأة في وجهها "ا. هـ.
ولهذه الركيزة أثر على منهجه أيضا في التفسير حيث يأتي إلى القول المتعارف عليه عند المفسرين فيأتي بخلافه.
¥