، فضلا عن أن مجاهد وعكرمة وسعيد أنفسهم لم يسلموا من المآخذ التي تلقي ظللا من الشبهة على روايتهم وقد لا يكونون كما قالوا من أئمة التفسير الآخذين عن الصحابة " [49] ا. هـ
فيطعن الدكتور بالأسانيد، ورواتها، وأهل العلم، والأئمة منهم، والرواة عنهم، ويطعن بالمناهج العلمية المعتبرة عند الأمة، وطرائق العلم المسلوكة، فحسبنا الله ونعم الوكيل.
واختصَرَ بيان منهجه في هذا الباب فقال: " نحن لا ندخل في صراع فكري مع الفقهاء في قبولهم تفسير الصحابة والتابعين لاختلاف المناهج التي يدور عليها النقاش، فنحن نأخذ بمنهج طبائع الأشياء والأمر الثابت القطعي، والعقل، والمنطق، وهم يأخذون بالأقوال فيدافعون عن المرويات بالمرويات، وهذا لا يستقيم، ولا يعملون ذهنهم أو فكرهم أبدا، وإنما قيل وقال " [50] ا. هـ
ولعلي أكتفي ببيان مثال واحد من كلام الدكتور على أهمية أسباب النزول للدكتور نفسه على وجه الخصوص لأن عدم الاعتداد بأسباب النزول يفسد على الدكتور تخصيص آيات الأمر بالقتال، والجهاد بأنه جهاد الدفع، أو درء الفتنة [51]، ولا يسلم قوله هذا من اعتراض إلا إذا لجأ إلى الاحتجاج بأسباب النزول، فيلزمه أحد أمرين:
إما فساد قاعدته في أسباب النزول، أو عموم آيات الجهاد وأنه يشمل الطلب والدفع.
ولذلك حاول أن يتخلص من هذا الإلزام بقوله: " ولكن يمكن الاستئناس بملابسات النزول التي توردها الوقائع الثابتة كما هو الشأن في بعض الآيات التي سمحت بالقتال ردا على العدوان أو درءا للفتنة " [52].
لكن كما هو ظاهر فإن الإشكال قائم فلا يوجد لدى الدكتور ميزان بالتفريق بين حالات الاستدلال، وحالات الترك.
عاشرا: حصره تفسير القرآن على القرآن فقط.
وذلك ليسلم له مذهبه في رده تفسير آيات كثيرة، وليختار من تفسيره لنفسه ما يشاء، وليحمّل الآية ما لا تحتمل، فقال: " لأن من الثابت أولا أن الله تعالى قال " ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر " فدل على تيسير القرآن للذكر بما لا يحتاج ـ ضرورة ـ لتبين وأكثر من هذا وضوحا، وصف الله تعالى القرآن بأنه مبين، والمبين لا يحتاج إلى بيان " [53] وقال: " ولأن من الأفضل أن نبذل هذا الجهد في توضيح مقاصد القرآن فضلا عن قاعدتنا المقررة (لا يفسر القرآن إلا بالقرآن نفسه)، وأن القرآن ليس في حاجة للتفسير لأنه يعطي أثره بالانطباع " [54].
وقال أيضا مبينا أنه لا حاجة إلى التفاسير، ولا إلى السنة التي توضح كثيرا من معاني القرآن: " إن دعوة الإحياء الإسلامي تستشف بالقراءة المتكررة للقرآن الكريم وما تخلفه هذه القراءة من انطباعات روح القرآن والمضامين الرئيسية التي تنطوي عليها سوره وآياته " [55].
وقال مقررا حرية الاعتقاد وأن لكل شخص أن يعتقد ما يريد من كفر أو إيمان، وأن الله أراد ذلك، ولم يفرق بين الإرادة الشرعية، والإرادة الكونية [56]، فقال: " إننا جعلنا القرآن الأصل الأصيل لكل ما أوردناه من أحكام، ولم نعتمد على آية واحدة، ولكن على عشرات الآيات كلها تقرر بصريح العبارة حرية العقيدة وبصورة لا تحتاج إلى تأويل فضلا عن آيات تصل للمئات يوحي سياقها بهذا المعنى، فنحن في إصرارنا على حرية الاعتقاد إنما نحيي ما أحياه القرآن ونطالب بما أراده القرآن، ونرفض أي افتيات على النص الصريح أو تطويعه أو تأويله تأويلات تخرج عن معناه، كما نرفض أن نجري سكين النسخ المزعوم على آيات بيات " [57].
ولا يخفى أن أهل العلم يجعلون أفضل طرق التفسير هو تفسير القرآن بالقرآن [58] لكنهم لا يحصرون الطرق عليها ويتركون الطرق الأخرى البيانية لمعاني الكتاب العزيز.
والفرق أن أهل العلم يسعون جادين لبيان المعاني، فيحرصون على كل طريق يدلهم على المعنى، على منهج لهم في ترتيب هذه الطرق، بينما الدكتور لا يسعى للمعنى بقدر ما يسعى لتوظيف النص لما يهوى.
الحادية عشرة: نظرته لتاريخ الأمة
¥