ولا تعجبوا فلكل جارحة لغة، ولكل تعبير لسان، وللعيون لغات، وأكثر الإشاعات سيئة خطيرة، وأخطرها وأفظعها إشاعة السوء لذلك حرم الإسلام إشاعات السوء.
فقال الله تعالى: ? إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لا تَعْلَمُونَ ? ().
وقال النبي ?: ((أيما رجل أشاع على رجل مسلم بكلمة وهو منها بريء سبه بها في الدنيا كان حقاً على الله أن يذيبه يوم القيامة في النار حتى يأتي بنفاذ
ما قال)) ().
والشائعات على ثلاثة أنواع ():
1ـ شائعات الرغبة أو شائعات الأحلام والأماني، كان المرجفون والحاقدون والحالمون بالجاه والسلطة والمجد الزائف، وأصحاب الأماني، يروجون بالشائعات للحط من قدْر من يقاوم باطلهم، وللإيقاع بينهم، فمن شائعات الوقيعة بين الأمة، ما فعله (شاس بن قيس اليهودي) وكان شديد الطعن على المسلمين، شديد الحسد لهم، مرّ يوماً على الأنصار الأوس والخزرج وهم مجتمعون يتحدثون، فغاظه ما رأى من ألفتهم بعد ما كان بينهم من العداوة، فقال: قد اجتمع بنو قيلة، واللّه ما لنا معهم إذا اجتمعوا من قرار، فأمر فتى شاباً من اليهود فقال: اعمد إليهم فاجلس معهم، ثم اذكر يوم بعاث ـ أي الحرب الذي كان بينهم وما كان فيه ـ وأنشدهم ما كانوا يتقاولون به من الأشعار، ففعل فتكلم القوم عند ذلك، وذكر كلٌّ أقوال شاعرهم، وتنازعوا وتواعدوا على المقاتلة، فنادى هؤلاء يا آل الأوس، ونادى هؤلاء يا آل الخزرج، ثم خرجوا للحرب وقد أخذوا السلاح واصطفوا للقتال.
فلما بلغ الخبر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم خرج إليهم فيمن كان معه من المهاجرين، فقال يا معشر المسلمين اللّه اللّه؟ اتقوا اللّه، أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم بعد أن هداكم اللّه إلى الإسلام، وقطع به عنكم أمر الجاهلية، واستنقذكم به من الكفر وألف به بينكم، فعرف القوم أنها نزعة من الشيطان وكيد من عدوهم، فبكوا وعانق الرجال من الأوس، الرجال من الخزرج، ثم انصرفوا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وأنزل اللّه تعالى في شاس بن قيس اليهودي:
? ياأَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّنَ عَنْ سَبِيلِ اللّه مَنْ آمَنَ تَبْغُونَها عِوَجاً? ().
وأنزل اللّه في الأنصار:
? يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَامِكُمْ كَافِرِين ? ()
وكذلك الإشاعة التي أشاعها المشركون بين المسلمين (المهاجرين إلى الحبشة) من تحسين الأحوال، والمصالحة بين المشركين والمسلمين في مكة زوراً وبهتاناً، وما أشاعوه في
(عمرة القضاء) () من ضعف المسلمين وهزالهم، فأمرهم النبي ? بالهرولة في السعي والطواف، إظهاراً للقوة،وكان أعداء النبي ? يحلمون بالقضاء على النبي ? وأصحابه، كأبي جهل وعتبة بن ربيعة، وبعضهم كان يحلم بالسلطة كابن أبي سلول، وكان الردُّ الإلهي حاسماً جازماً.
قال الله تعالى:? لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللّهِ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا ? ().
وهكذا ظل المشركون يروِّجون أخطر الشائعات لمحاربة الإسلام والمسلمين.
وإذا لم تكن شائعات الأحلام ضارة فهي غير سارة، إذ تدخل في بوتقة الحرب النفسية، وهذا ما تعالجه اليوم أجهزة التوجيه المعنوي في العالم.
والإعلام الإسلامي ـ فيما عدا حالة الحرب وإرهاب العدو وإضعاف معنوياته بالحرب النفسية () ـ يسلك طريقاً وسطاً فهو لا يخدع ولا ينخدع، ولا حاجة له إلى سلوك أي نوع من تلك الشائعات، فالإسلام لا يخاف ولا يحقد ولا يحلم برزق تمطره السماء ذهباً ولا فضة.
والإعلام الإسلامي لا يشهِّر بالناس ولا يحقرهم ولا يفضح أحداً، ولو كان عدواً، أرأيت كيف ستر النبي ? على المنافقين، هذا هو الإعلام الإسلامي القويم.
2 ـ شائعات الخوف أو القلق: وهي أخطرها،ويمكنها أن تتراوح بين القلق الخفيف والذعر الكامل، مثال ذلك: (يقال بأن لحم السلطعون () الذي يعلبه اليابانيون يحتوي على ديدان مهروسة) أو (ستقصف مدينتنا بالقنابل غداً).
¥