ونجد أمثلتها أيضاً في أحداث غزوة أحد، فقد لجأ المشركون إلى إشاعة الخوف في صفوف المسلمين باختلاق نبأ وفاة النبي ?، وكاد هذا النبأ أن يستشري وينتشر لولا أن كعب بن مالك ? شاهد رسول الله ? بنفسه يصول ويجول وسط المعركة، وعيناه تزهران من تحت المغفر ().
وكذلك إشاعة مقتل عثمان بن عفان ? في بيعة الرضوان، ولما لم يكن قتله محققاً فقد بايع النبي ? عنه على تقدير حياته، وفي ذلك إشارة إلى أن عثمان ? لم يقتل، وإنما بايع القوم أخذاً بثأر عثمان ? جرياً على ظاهر الإشاعة، تثبيتاً وتقوية لأولئك القوم، فوضع يده اليمنى على يده اليسرى وقال: اللهم هذه عن عثمان في حاجتك وحاجة رسولك ().
3 ـ شائعات العدوان أو شائعات الحقد والكراهية: وأمثلتها كثيرة أوضحها ما افترته قريش على النبي ? وأصحابه، وما فجَّرت عليهم من مراجل الحقد الدفين والكراهية العمياء، فتناولوا شخصية رسول الله ? باتهامات كاذبة، وافتراءات حاقدة، وشائعات جائرة، وما أشاعوه بعد توزيع غنائم هوازن أكبر دليل على ذلك،حاولوا أن يذيعوا نبأ عزم النبي ? على البقاء في مكة المكرمة، وعدم العودة مع الأنصار، ولما ظهر زيف هذه الشائعة، وتكشفت الحقائق، وزهق الباطل، لجئوا إلى ترويج شائعة أكثر خبثاً مفادها: الطعن في أمانته ?، وأنه جمع الغنائم فوزعها على المؤلفة قلوبهم، وحرم الأنصار منها، من أجل أن يوقعوا بين النبي ? وبين الأنصار من الأوس والخزرج، فتناول النبي ? هذه الشائعات وهذا البهتان بالحجة والبرهان وبما أوتي من حكمة النبوة، حتى عادت القلوب إلى صوابها وصفائها.
وكذلك ما تصرف به ? في القضاء على الأوضاع الخاطئة التي نتجت عن عصبية أثارها سنان الجهني الأنصاري حين صاح: يا للأنصار، وصاح جهجاه المهاجر: ياللمهاجرين، فكان ردُّ المصطفى ? عملياً وحكيماً، لاستجابتهم لشائعة ابن أبي سلول الخبيثة، فقد مشى بهم النبي ? يوماً وليلة حتى أنهكتهم الشمس،ثم نزل بالناس، فلم يلبثوا أن وجدوا مسّ الأرض فوقعوا نياماً، وإنما فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ليشغل الناس عن الحديث الذي كان بالأمس، من شائعة عبدالله بن أبي بن سلول ().
ثم لم يلبثوا أن فجَّروا حادثة الإفك الظالمة والمبهتة، اتهموا أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في شرفها ظلماً وعدواناً لينالوا من قدْر النبوة وسمعة النبي ? ودينه الحنيف
قال الله تبارك وتعالى: ? إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شراً لكم بل هو خير لكم لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم ? ().
عوامل رواج الشائعات:
1ـ أهمية الموضوع عند الناقل والمنقول إليه وهما قطبا العملية الترويجية.
2 ـ درجة الوضوح أو الغموض المحيط بموضوع الإشاعة ذاتها، وتكون العلاقة طردية إذا ارتفعت درجة الموضوع من الوضوح مع أهميته، كما تكون عكسية كلما ارتفع مستوى أحد العاملين وانخفض الآخر ().
3 ـ مدى التطابق بين موضوع الشائعة وقانون الاهتمام الفكري أو العاطفي للأفراد والجماعات، فالرجال أكثر تصديقاً لشائعات الغلاء، والنساء أكثر تجاوباً مع ما يذاع عن الأزياء، وقس على ذلك فئات المجتمع من عمال وموظفين وتجار وحرفيين وأدباء وغيرهم.
4 ـ مقدار الثقة بالناقلين تبعاً للصداقة والتآلف معهم، فالنتيجة طردية في المودة، وعكسية في الكراهية.
موقف الإعلام الإسلامي من شائعات السوء:
ظهور الشائعات ينجم في الواقع من عدة عوامل منها: الإعلام غير المشبع، وصعوبة الوصول المباشر إلى مصادر الإعلام، وفقدان الثقة، أو وجود رقابة رعناء.
وشائعات السوء سريعة الانتشار عادة، أما الشائعة البريئة والهادفة التي تضع التوجيه الأخلاقي في قالب الطرفة والترفيه المنشط، فإنها بطيئة الانتشار.
وقال الشاعر عبد اللطيف النشار:
خبر الشر مجنح يركب الجو ويسبح
خبر الخير بطيء السير يمشي يترنح
والموقف الإسلامي من هذه شائعات السوء، ونشر أخبار الجريمة، موقف واضح وصريح، فهو يرفض تلك الشائعات رفضاً قاطعاً.
رقابة الشائعات:
1ـ التأكد من شخصية الناقل للشائعة: كما جاء في قوله تبارك وتعالى:
? يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين ? ().
¥