هذا القول بعضهم بأن الخطاب في» آتيك «يأباه فإن حق الكلام عليه أن يقال: ان آتي به قبل أن يرتد إلى الشخص طرفه مثلا. وقد علمت دفعه، وبأن المناسب أن يقال فيما بعد: فلما أتي به، دون: فلما رآه الخ. وأجيب عن هذا بأن قوله ذاك للإشارة إلى أنه لا حول ولا قوة له فيه، ولعل الأظهر أن القائل أحد أتباعه، ولا يلزم من ذلك أنه عليه السلام لم يكن قادرا على الإتيان به، كذلك فإن عادة الملوك تكليف أتباعهم بمصالح لهم لا يعجزهم فعلها بأنفسهم، فليكن ما نحن فيه جاريا على هذه العادة، ولا يضر في ذلك كون الغرض مما يتم بالقول وهو الدعاء، ولا يحتاج إلى إعمال البدن وإتعابه كما لا يخفى. وفي فصوص الحكم: كان ذلك على يد بعض أصحاب سليمان عليه السلام ليكون أعظم لسليمان في نفس الحاضرين. وقال القيصري: كان سليمان قطب وقته متصرفا وخليفة على العالم وكان آصف وزيره وكان كاملا، وخوارق العادات قلما تصدر من الاقطاب والخلفاء بل من وراثهم وخلفائهم لقيامهم بالعبودية التامة واتصافهم بالفقر الكلي فلا يتصرفون لأنفسهم في شيء، ومن منن الله تعالى عليهم أن يرزقهم صحبة العلماء الأمناء يحملون منهم أثقالهم وينفذون أحكامهم وأقوالهم. ا.هـ وما في الفصوص أقرب لمشرب أمثالنا على أن ما ذكر لا يخلو عن بحث على مشرب القوم أيضا، وفي مجمع البيان روى العياشي بإسناده قال: التقى موسى بن محمد بن علي بن موسى ويحيى بن أكثم فسأله عن مسائل منها: هل كان سليمان محتاجا إلى علم آصف؟ فلم يجب حتى سأل أخاه علي بن محمد، فقال: اكتب له: لم يعجز سليمان عن معرفة ما عرف آصف؛ لكنه عليه السلام أحب أن يعرف أمته من الجن والإنس أنه الحجة من بعده، وذلك من علم سليمان أودعه آصف بأمر الله، ففهمه الله تعالى ذلك لئلا يختلف في إمامته كما فهم سليمان في حياة داود لتعرف إمامته من بعده لتأكيد الحجة على الخلق. ا. هـ وهو كما ترى".
30 - إرشاد العقل السليم 6/ 286 - 287.
ـ[الغني بالله]ــــــــ[26 Jul 2007, 05:19 م]ـ
الدكتور الفاضل مصطفى:
شكر الله لك هذا النقل الماتع، لكن بقي الإشكال الكبير في نظري وهو أن مارجحته يؤيد مذهب غلاة الصوفية القائلين:مقام النبوة في برزخ******* فويق الرسول ودون الولي
والقول بأنه سليمان عليه الصلاة والسلام قال به من قال من السلف وهو موافق لسياق الآيات.
ـ[الغني بالله]ــــــــ[26 Jul 2007, 05:50 م]ـ
يقول لي أحد العامة:
تدبرت قول الله عز وجل (إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآَتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ) إلى آخر القصة فوجدت أنه قد وجد قبل قارون من هو أغنى منه قلت: وكيف ذلك؟ قال: أليس الله يقول ( ..... أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ) فهذا يعني أنه وجد قبل قارون من جمع أكثر من جمعه قلت: فتح الله عليك.
أقول: الذي أخبرني وإن كان يقرأ ويكتب إلا أنه من العامة ومع هذا لما تدبر استنبط!!
ـ[مصطفى فوضيل]ــــــــ[27 Jul 2007, 04:51 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل الغني بالله
أشكرك على عنايتك بالموضوع؛ وعلى شدة غيرتك، غير أن ما قلته فيه نظر من وجوه:
الأول: أن وصفك للبحث بأنه نقلٌ فيه ما فيه، ولا أطيل في هذه المسألة لأن البحث موضوع بين أيدي القراء لينظروا فيه. وقد أشرتَ أنتَ بعد ذلك -أخي الفاضل- إلى أني رجحت رأيا بعينه، وإني أستغرب فعلا: هل يسوغ الحكم على بحث بأنه نقلٌ وفيه ترجيح؟
الثاني: أن توظيف الحقائق توظيفا سيئا لتأييد مذهب باطل، لا ينبغي بحال أن يمنعنا من الكشف عن تلك الحقائق. فالتأييد شيء والتوظيف شيء آخر، لأنك حين تصورت أن الرأي الذي رجَّحتُه أنا يؤيد مذهب غلاة الصوفية فقد أسهمت في الاستدلال لهم، وكان الأولى أن تُعبِّر بالتوظيف أو ما أشبه لبيان سوء الاستعمال للأقوال والحقائق في الانتصار للمذهب الفاسد.
وأما الحكم على البحث حكما جاهزا في سطر أو أقل من ذلك، فهو يتعارض تماما مع المنهج العلمي الذي يستلزم تمحيص الأقوال واستعراض الأدلة ليُؤْتى عليها بالنقد والنقض أو الجمع أو الترجيح.
وأما ما نقلته عن غلاة الصوفية فأنا بطبعي أنفر منه نفرة شديدة ولا أرى في بحثي ما يشير إليه من قريب أو من بعيد، بل أزيد على ذلك بأنه ما كان لاسم الصوفية –أصلا- أن يزاحم الاسم الذي اختاره الله تبارك وتعالى (هو سماكم المسلمين).
الثالث: قولك: "القول بأنه سليمان عليه الصلاة والسلام قال به من قال من السلف وهو موافق لسياق الآيات"، كلام يتضمن مسألتين:
أولاهما: النسبة إلى السلف: وهي هنا نسبة مجملة تحتاج إلى عرض وتحرير وترجيح، لأن الذين قالوا بالقول الآخر بعضهم من السلف أيضا، وبعضهم من الخلف.
والثانية: موافقةُ السياق: وهذا حكم يحتاج إلى تعليل، بناء على قواعد دراسة السياق، وقد كتب العلماء في ذلك، ويوجد في هذا الملتقى المبارك قدر طيب منه.
وبناء عليه سيبقى كلامك –أخي الفاضل- عبارة عن حكم جاهز ما لم تطلع علينا في هذا الملتقى العلمي بتحرير القول في هاتين المسألتين بما يؤيد رأيك وينقض الرأي الآخر.
نسأل الله تعالى أن يوفقنا جميعا إلى الصواب، وأن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه والباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه.
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات
¥