مآخذ العلماء على التفسير العلمي
أو
(أسباب الوقوع في بعض الأخطاء)
رغم اتفاق جميع المسلمين على حقيقة واحدة وهي: (أن حقائق الكون لا تتعارض مع حقائق القرآن) نجد من علمائنا المسلمين من يمنع التفسير العلمي، والسبب في ذلك هو أخطاء بعض المفسرين بسبب التكلف أو الاعتساف في الفهم أو التأويل أو غير ذلك من العوامل المفضية إلى الوقوع في بعض الأخطاء.
والتحقيق أن منع التفسير العلمي وإنكاره إنكارا تاما لوجود بعض الأخطاء غير مسلم ولا صحيح، والخطأ واقع في كل المذاهب البشرية وحتى في بعض الأحكام الدينية الاجتهادية، وهو أمر لابد منه ولا حيلة فيه ([22])، لان البشر مهما سمت مكانتهم في العلم والفهم لم تضمن لهم العصمة سوى من خصهم الله تعالى بالوحي، ومع هذا فإننا لم نجد من علماء المسلمين من منع الاجتهاد والفقه والتفسير لجميع المسلمين.
والتفسير العلمي كغيره من العلوم لا يجب منعه إذا توفرت شروط المفسر فيمن يقوم به وهذا ما سنوضحه بعد بياننا لأهم الأخطاء التي وقعت من بعض من اشتغلوا بالتفسير العلمي.
وبالاطلاع على ما كتبه كثير من علمائنا الأفاضل عن التفسير العلمي وتمحيصهم وتقويمهم لما يكتب في ذلك المجال أستطيع أن أدون أبرز الأخطاء في النقاط التالية:
1) كثرة الإسهاب:
كما فعل الشيخ طنطاوي جوهري في كتابه الجواهر، حيث نجده يفسر الآية القرآنية تفسيراً لفظياً مختصراً، وبعدها ينطلق لذكر الأبحاث العلمية المستفيضة التي يسميها لطائف أو جواهر، وتلك الأبحاث المستفيضة بطبيعة الحال أفكار علماء الشرق والغرب في عصره وعصر من سبقه.
ولا شك أن هذه الطريقة جعلت تفسيره يخرج عن موضوعه الأساسي ألا وهو إظهار معاني القرآن الكريم بالطريقة الشرعية حتى قال بعض نقاده فيه كل شيء إلا التفسير.
2) إخضاع بعضهم نصوص القرآن الكريم لنظريات علمية غير مستقرة. و لا شك أن ربط القرآن الكريم بنظريات غير مستقرة عمل خطير نبه إليه عدد كبير من العلماء لأنه يجعل المفسر في حرج عندما يثبت خطا النظرية.
وهذا لا يعني منع الانتفاع بما كشفه العلم من نظريات وحقائق عن الكون والحياة والإنسان في فهم الآيات وتوسيع معنى الآيات التي تشير إلى الحقائق والنظريات، وإنما يعني ألا نتجاوز ألفاظ القرآن. وقد ضرب كثير من العلماء أمثلة لهذا المنهج المأمون في الانتفاع بالكشوف العلمية في هذا المجال وحتى من المعارضين له في نظر الناس كأمثال سيد قطب في الظلال المجلد الأول الصفحة (183 وما بعدها) وعباس محمد العقاد في بحث " القرآن والنظريات العلمية " المنشور في كتابه الإسلام دعوة عالمية ([23]).
3) التوسع في التفسيرات العلمية: بحجة أن القرآن الكريم يشمل على جميع العلوم والمخترعات والمستحدثات من الطائرات والغواصات والصواريخ وغير ذلك وما جد من أمور الكون وما لم يجد إلى قيام الساعة ..... لقوله تعالى: (ما فرطنا في الكتاب من شيء) [الأنعام: 38].
4) إقحام بعض الآيات القرآنية في موضوعات لا تناسبها:
وقد ضرب الشيخ مصطفى الحديدي الطير أمثلة لذلك متعددة، ومنها استشهاد عبدالرزاق نوفل بقوله تعالى: (ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكي لا يعلم من بعد علم شيئا) [الحج:5] لإثبات الإعجاز العلمي للقرآن في موضوع (شيخوخة الجسم والعقل) مع أن ما جاء فيها من مشاهدات الناس، فكل إنسان يرى بعينه أن الناس حين يشيخون يذبلون جسميا ويضعفون عقلياً منذ بدأ خلق الإنسان حتى اليوم، فحديث القرآن عن هذه المشاهد لا يعتبر من الإعجاز العلمي للقران وإنما هو تذكير للناس بتطورات خلق الإنسان ليستدلوا بذلك على أن الله تعالى يبعث من في القبور، وأنه هو الحق وأنه على كل شيء قدير، ولهذا بدأت الآية بقوله سبحانه: (يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب) وجيء بعدها بقوله: (ذلك بأن الله هو الحق وأنه يحيي الموتى وأنه على كل شيء قدير وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور) [الحج:5] ([24]).
5) حمل العبارة القرآنية على ما وصلت إليه علوم العصر:
¥