وليس هناك من شك أن مثل هذا التفسير وصرف معاني الأيات عن معانيها إلى علم تحضير الأرواح ينزل بتفسير القرآن الكريم من عليائه ويثنيه عن قصده وأهدافه حتى قال الشيح مصطفى الحديدي الطير عن هذا التفسير " هو أغرب ما يقال في تفسير القرآن الكريم، فهو أبعد ما يكون عن معناه وعن أهدافه وقصده، كما أن تحضير الأرواح علم كاذب فلا يوافق الدين على الإيمان به، ولا يعترف بأخبار الأرواح التي تحضر عن طريقه فهي أرواح جن تكذب بدعاء أنها الأرواح المطلوب إحضاره .... " ([32])
هذه هي أبرز الأخطاء والانحرافات التي وقعت في التفسير العلمي للقرآن، وبسببها اهتم المحققون والمخلصون بوضع الضوابط والشروط التي تحكم التفسير العلمي للقرآن، وهذا ما سنتحدث عنه في المبحث التالي إن شاء الله.
المبحث الثالث
قواعد وأساس التفسير العلمي الصحيحة:
والآن وبعد أن عرفنا جواز التفسير العلمي كما ذكر المحققون ووقفنا على بعض الأخطاء التي ظهرت فيه كان لازماً علينا أن نوضح شروط هذا التفسير وضوابطه حتى نتفادى الأخطاء التي ذكرت ولا نتقول على الله تعالى بغير علم في تفسير كلامه العزيز.
وقد وضع علمائنا الأفاضل قواعد لا بد من مراعاتها عند تفسير القرآن الكريم وملخصها:
أن نفسر القرآن بالقرآن، فإن لم نجد فبما ثبت من السنة المطهرة، فإن لم نجد فمن أقوال الصحابة، مع الابتعاد عن الضعيف والموضوع والإسرائيليات، فإن لم نجد فمن أقوال التابعين فإن اتفقوا على شيء كان ذلك إمارةً قوية على تلقيه من الصحابة وإن اختلفوا تخيرنا من أقوالهم ورجحنا ما يشهد له الدليل فإن لم نجد في أقوالهم ما يصلح تفسيراً للآية لكونه ضعيفاً أو موضوعاً أو من الإسرائيليات التي حملوها عن أهل الكتاب اجتهد المفسر إذا كان مستكملاً لأدوات الاجتهاد ([33]).
وبما أن التفسير العلمي لا يخرج عن مفهوم التفسير بالاجتهاد لشرح القرآن وبيان معناه والإفصاح عما يقتضيه نصه أو إشارته أو فحواه فإن التفسير العلمي لا يعتبر مقبولاً ما لم تراعى فيه القواعد الآتية وهي قسمان:
1. قواعد للتفسير بالرأي بشكل عام.
2. قواعد للتفسير العلمي بشكل خاص.
فأما قواعد التفسير بالرأي فهي:
1. معرفة اللغة العربية وقواعدها (النحو والصرف والاشتقاق).
معرفة اللغة العربية لأن باللغة يعرف شرح المفردات ومدلولات الألفاظ قال الآلوسي: ولا يكفي اليسير إذ قد يكون اللفظ مشتركاً ولا يعلم أحد المعنيين والمراد الآخر فمن لم يكن عالماً بلغات العرب لا يصح له التفسير ([34]) قال مجاهد (لا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يتكلم في كتاب الله تعالى إذا لم يكن عالماً بلغات العرب) ([35]) وعن الإمام مالك أنه قال: (لا أوتى برجل غير عالم بلغة العرب يفسر كتاب الله إلا جعلته نكالاً) ([36]) ومعرفة النحو: لأن المعنى يتغير ويختلف باختلاف الإعراب.
ومعرفة الصرف: لأن به تعرف الأبنية والصيغ.
ومعرفة الاشتقاق: لأن الاسم إذا كان اشتقاقه من مادتين مختلفتين اختلف باختلافهما المسيح هل هو من السياحة أو المسح ([37]).
2. معرفة علوم البلاغة: (المعاني والبيان والبديع) لتذوق معاني القرآن الكريم قال السيوطي (وهذه العلوم الثلاثة هي علوم البلاغة وهي من أعظم أركان المفسر لأنه لا بد له من مراعاة ما يقتضيه الإعجاز وإنما يدرك بهذه العلوم) ([38]).
3. معرفة أصول الفقه:
قال ابن جزي: أما أصول الفقه فإنها من أدوات تفسير القرآن على أن كثيراً من المفسرين لم يشتغلوا بها وإنها لنعم العون على فهم المعاني وترجيح الأقوال وما أحوج المفسر إلى معرفة النص والظاهر والمجمل والمبين والعام والخاص والمطلق والمقيد وفحوى الخطاب ولحن الخطاب ودليل الخطاب وشروط النسخ ووجود التعارض وأسباب الخلاف وغير ذلك من علوم الأصول ([39]).
4. الاهتمام بأسباب النزول قال ابن تيميه: (ومعرفة سبب النزول يعين على فهم الآية فإن العلم بالسبب يورث العلم بالمسبب) ([40]).
¥