3 - الوقوف عند الإطار العام لمعنى الآية وترك ذكر التفاصيل والاستطرادات حتى لا نخرج عن دائرة التفسير. مثاله ما فعله السيد علي فكري عند تفسيره لقوله تعالى: (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر) [البقرة:228] قال: والمعنى: والمطلقات يصبرن عن الزواج ثلاثة قروء أي حيضات، فإذا أحسسن بحمل فلا يحل لهن كتمانه إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر.
ويقول عبد العزيز باشا إسماعيل رحمه الله: معنى الآية صريح وهو: أنه في مدة ثلاثة أشهر تكون علامات الحمل قد ظهرت من عدم وجود الطمث (الحيض) ومن الاضطرابات المعدية، ومن كبر في الجزء الأسفل من البطن، وميعاد ثلاثة أشهر هو ميعاد موضوع بحكمة فائقة لأنه قبل ذلك يصعب جداً التثبت من الحمل بواسطة الأطباء الأخصائيين بل الكيميائيين، وبعد هذا التاريخ تكون أعراض الحمل ظاهرة للعيان. نعم قد تجد حالات يصعب الجزم فيها بالحمل أو عدمه، حتى بعد مضي أربعة أشهر أو خمسة أو أكثر من ذلك خصوصاً عند العوام، ولكن هذه الأحوال نادرة حتى أنها لا يجوز أن تكون محل تشريع خاص. ([51]) انتهى.
4 - معرفة الحقيقة الثابتة بأن القرآن الكريم كتاب هداية وإعجاز، وأنه لم ينزل ليكون كتاباً في علم من العلوم كالطب أو الفلك أو غير ذلك، وأنه أسمى من ذلك وأكبر، غير أنه يتضمن الكثير من حقائق ومعارف هذه العلوم التي تذهل العلماء، والمتخصصين ليثبت لهم صدقه وإعجازه ويعرفوا أنه الكتاب الحق الذي (لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد) [فصلت/ 42].
ولأجل هذه القاعدة المتينة فقد نبه العلماء في العصر الحديث إلى أمرين مهمين:
الأول: أنه لا ينبغي من المسلمين التسرع في طلب الموافقة بين العلوم والقرآن، بل الواجب أن ندرس ما في القرآن على أنه حقائق ثابتة فما وافقه من العلوم قبلناه. والثاني: أن لا نفسر القرآن إلا باليقين الثابت من العلم لا بالنظريات والفرضيات لأن الظنيات عرضة للتصحيح والتعديل ([52]).
5 - أن لا يفسر القرآن الكريم إلا بالحقائق العلمية والابتعاد عن إقحام النظريات والاحتمالات العلمية في تفسير آياته، والفرق بين الحقيقة العلمية والنظرية العلمية هي: أن الحقيقة العلمية: أمر متعارف على وقوعه وتم التوصل إليها بالتجربة العلمية والملاحظة، والنظرية العلمية: توضيح لحالة معينة غالباً ما تكون قابلة للنقاش بمقارنتها باقتراحات ثانية لأنها مجرد افتراض أو تخمين أو ظن ([53]).
6 - استنباط القضايا العلمية المقررة إما من صريح النص الكريم، وإما من إشارات واضحة فيه.
ومن النوع الأول نجد الأستاذ حنفي أحمد يضرب لنا ثلاثة أمثلة ومنها هذا المثال.
قال تعالى: (الله الذي خلق سبع سموآت ومن الأرض مثلهن) [الطلاق:12] ومعناه أنه تعالى خلق سبع سموآت وخلق من نوع الأرض عدة مثلها أي شبهها في بعض الصفات فجاء قوله تعالى: (ومن الأرض مثلهن) موضحاً أنه تعالى جعل مجموع الخلق من سبع سماوات غير أرضية ومن أراضين عدة تشبهها في بعض الصفات
ومن النوع الثاني يضرب عدة أمثلة تنقل منها المثل الآتي: قال تعالى: (ثم استوى إلى السماء وهي دخان) [فصلت/11] ولم يقل وهي سحاب أو بخار مثلاً.
فيكون تخصيص تشبهها بالدخان إشارة قوية محددة إلى أهل العلم يستدلون بها على خصائص هذه المادة وهي أنها كانت مثل الدخان مادة مفككة وخفيفة ومنتشرة في الفضاء، كانتشار الدخان.
وأنها كانت مظلمة وساخنة إلى حد ما وأنها كانت تحوي دقائق أنواع المادة المختلفة ([54]).
7 - معرفة التعارض بين التفسير العلمي الحديث والتفسير القديم، والتعارض بينهما معناه التقابل والتنافي بحيث إذا دل أحدهما على أمر مثلاً دل الآخر على نفيه حتى لا يمكن الجمع بينهما بحال من الأحوال.
وأما إذا وجدت المغايرة بينما بدون منافاة وأمكن الجمع بينهما فلا يسمى ذلك تعارضاً، وذلك كتفسير العلماء (الصراط المستقيم) بالقرآن وبالإسلام وبطريق العبودية وبطاعة الله ورسوله، فهذه المعاني كما قال العلماء: وإن تغايرت غير متنافية ولا متناقضة، لأن طريق الإسلام هو طريق القرآن وهو طريق العبودية وهو طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ([55]).
هذا وإن الصور العقلية التي يحصل فيها التعارض بين التفسير العلمي والتفسير النقلي هي:
¥