أدركت أن أستاذنا الفحَّام قد آمن بالحديث الشريف وعمل به على أحسن وجه ومفاده "لا يعرف الفضل إلا أهل الفضل". وأيقنت بأن المحبة والصدق والإخلاص والوفاء والإيثار وغيرها من السجايا، يمكن أن تتجسد في الرجال، في الرجال الذين يذكروننا بأئمتنا القدامى المبجلين الذين اعتصموا بالخلق والأدب والعقيدة والسنية ...
فشمائله انطبعت في شخصه، وشخصه انطبع في سلوكه، فكان القدوة الحسنة، والرائد الذي لا يكذب أهله، وما زال على هذا الطبع الذي انقدح من زمام الخير وكنه المعروف إلى يومنا هذا، فما زرته في مجمع اللغة العربية إلا استقبلني بما يؤكد جوهره الصافي، وسماحته الرفيعة، وأدبه الجم حتى يشعرني تواضعه بخجل شديد .... وما أكرمني الدهر باجتماع معه في أحد المجالس أو الهيئات مثل (الهيئة العامة السورية للكتاب) إلا تعثّرت من الاستحياء منه؛ لأنني أراه قد ضبط نفسه على حقيقة زمن الاجتماع والالتزام بموعده، ومن ثم تتبع موضوعاته بأناة ووعي ودقة. فإذا ذهبنا نطلب رأياً وحكمة وجدناهما حاضرين لديه، وإذا نصبنا أنفسنا لفحوى اللغة وجدنا عنده الحجة الدامغة، دون أن يحيف علينا، لأنه أحد المنصفين الذين لا يقبلون الظلم والقهر؛ لا يتمادى عليك ولا يبخسك حقك، علماً أن أحدنا قليل البضاعة إذا قيست ببضاعته ...
فالأستاذ العالم الفحّام مفخرة حقة للشام وللعروبة، شيّد مجدها بجليل علمه، ومباهج معارفه، ونفاذ فكره، وسرعة بديهته، وسمو همته، وبيان لسانه، وتعلقه بالصدق والحق ... وهو أقدر الناس على معرفة أقدار الناس ومعرفة أحوالهم، ما جعله شديد الحذر حتى يبلغ ما يريده ويرغب فيه ...
فإذا ذكر الرجال الذين يصنعُون مجد الأمم، كان الأستاذ الفحّام أحد الذين صانوا هوية الأمة ولغتها وثقافتها، وكان الضمير الحي لها خلال ما يزيد على نصف قرن ... شيّد مآثرها وتولاها بالرعاية، ومن مداد قلمه أرّخ أَصالتها، وجمال لغتها بديباجته المشرقة، فاستحق منّا أن نعترف له بالفضل، وإن كنّا لا نستطيع أن نفيه كل حقوقه علينا ...
ولا يسعنا إلا أن نقول له: كنت الوفاء والمحبة، وكنتَ صاحب القلب الدافئ والكلمة المحترمة، فالتفّ الجميع حولك، راجين من الله أن يسبغ عليك ثوب الصحة والعافية ..
(الدكتور شاكر الفحَّام ـــ مجموعة باحثين،،
أدباء مُكّرمون ـ منشورات اتحاد الكتاب العرب بدمشق ـ 2006م)
ـ[الدكتور مروان]ــــــــ[07 - 09 - 2008, 07:53 م]ـ
كلمة الأستاذ الدكتور محمود الربداوي رئيس تحرير مجلة التراث العربيّ:
أيها السادة الوزراء
أيها الأجلَّة الكتّاب والأدباء
أيتها السيدات والسادة الحضور
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قال الشاعر:
في رحاب النهى, وصرح العلوم = جُمع الشمل مِثلَ عِقد النّظيمِ
وأعيدتْ إلى (عكاظ) أمانٍ = كُنَّ حُلماً مجنَّحَ التهويمِ
قادة الفكر في ربوع بلادي = يا أحقَّ الرجال بالتكريمِ
خلفكم في الخطا مسيرة جيل = يتحراكمُ بشوق الفطيمِ
يحتفل اتحاد الكتاب في هذه الأمسية الكريمة بواحد من قادة الفكر في القطر العربي السوري، رجل قاد حركة الفكر لحقبةٍ من الزمن وزيراً للتربية، ووزيراً للتعليم العالي، ورئيساً للجامعة، ومديراً لهيئة الموسوعة العربية، ورئيساً لمجمع اللغة العربية وأستاذاً للأدب، وهذه ميادين تركتُ لزملائي أن يحدثوكم عنها، وقد فعلوا.
وأستميح المحتفى به الدكتور شاكر الفحام أن يمنحني الفرصة كي أتحدث كواحدٍ من أصدقائه، عاشره فترة تزيد على ربع قرن، وعرفه عن كثب وزيراً مسؤولاً ومدرّساً أديباً، وقبل كل ذلك إنساناً رقيقاً يتمتع بخلق كريم، وبتواضع العلماء الواثقين من علمهم، الراسخين في تخصصهم، إذا حدثك في الأمور الإدارية وشؤون الوزارات التي تسنّم سُدَّتها حدثك حديثاً على مستوى عالٍ من الإحساس بالمسؤولية المنوطة به من جهة، والتي تتطلبها مصلحة الوطن ومقتضيات المرحلة التي يمر بها المجتمع من جهة أخرى.
وإذا حدَّثك في الأدب، فأنت أمام شخص يذوب رقةً وعذوبة في تحليل النصوص، وسبر كوامن المعاني المخبوءة في ثنايا القلم والعبارات والجمل والأساليب، عايش بشاراً والفرزدق، ورافق ابن زيدون وابن خفاجة، وتأدب بأدب المشارقة والمغاربة، فاستوعب فكره المشرق والمغرب، فحق أن يوصف بالآخذ من كل علم بطرف.
¥