تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ونحن مع تسليمنا بوجود تشابه بين اللغات المختلفة سواء كانت من أرومة واحدة أو مختلفة –لا نرد هذا التشابه بالذات إلى التأثر بالإنكليزية، بل نقول: إن ظاهرة العطف بحتى على غير مذكور موجودة في الفصحى شعراً ونثراً منذ القرن الثالث الهجري على الأقل. والنص الذي يلغي الاجتهاد سيكون هو الحكم.

ونبدأ في متابعة هذه الظاهرة في العربية الفصحى المشتركة بعد عصر الاحتجاج باللغة، فنجدها عند الشاعر الأندلسي يحيى بن الحكم الغزال (ت255هـ) قال:

((أرى أهل اليسار إذا توفّوا

أبوا إلاّ مباهاةً وفخراً

بنوا تلك المقابر بالصخور

على الفقراء حتى في القبور)) ()

ففي البيت الثاني نرى أن البنية العميقة له: أبوا إلا مباهاة وفخراً على الفقراء في كل شيء حتى في القبور. ويصح أن تكون: أبوا إلاّ مباهاة وفخراً على الفقراء في كل شيء ومنها القبور.

ثم نجد الظاهرة عند عريب بن سعد القرطبي (ت بعد 331هـ: ((وقيل لصاحب الدار: اكتب جميع ما ذهب منك، فكتب حتى المكنسة والمقدحة)) (). والبنية العميقة للجملة الأخيرة: فكتب كل شيء حتى المكنسة والمقدحة.

وسنكتفي من الآن بعرض الشواهد المختلفة على ظاهرة العطف بحتى على غير مذكور في الجملة في بنيتها السطحية، لكنها مفهومة من البنية العميقة عند قارئ هذه الشواهد.

فنجد هذه الظاهرة في شعر أبي الطيب المتنبي (ت354هـ)، ومنها:

((فجاز له حتى على الشمس حكمه

وبان له حتى على البدر ميسم)) ()

ويقول الشارح: ((ظهر اسمه على كل شيء حتى على البدر))

وقد أحسن الشارح في بيان هذه الظاهرة لكنه نسي أيضاً أن بنية الشطر الأول العميقة تعني: فجاز له حكمه على كل شيء حتى على الشمس.

ومن شعر المتنبي أيضاً:

((كتمتُ حبك حتى عنك تكرمةٌ

ثم استوى فيك إسراري وإعلاني)) ()

ويشرح ابن سيده البيت بما يوضح العطف غير المذكور، فيقول: ((أي كتمت حبي عن الأنام حتى عنك، وإنما كان كتمانه تكرمة لك، ثم غلبني فاستوى سري وجهري، أي اظهرتُ منه مثل ما كتمت))

كذلك نجد هذه الظاهرة في شعر محمود بن حسين الشهير بكشاجم (ت360هـ):

((لقد بخلتْ حتى بطيف مسلّمٍ

أخاف على طيفي إذا جاء طارقاً

عليَّ، وقالت رحمةً لنحيبي:

وسادَكَ أن يلقاه طيفُ رقيبي)) ()

ثم نجدها عند المحسِّن التنوخي (ت384هـ): ((ولكن الطباع خسّت حتى في الحسد)) ()

ونجد هذه الظاهرة عند ابن سينا (ت428هـ) في مواضع متفرقة من القانون، ومنها حديثه عن الطفل: ((فإذا كانت بنيته غير متناسقة كان رديئاً حتى في فهمه وعقله)) ()

وفي حديثه عن خواص نبات الإذخِر: ((دهنه ينفع من الحكة حتى في البهائم)) ()

وفي حديثه عن ضرورة معرفة الطبيب المباشرة: ((فلا يحكم جزماً حتى في النبض أيضاً)) ()

ونجد الظاهرة عند العميدي في حديثه عن المتنبي (ت443هـ): ((ولولا أنه كان يجحد فضل من تقدمه من الشعراء وينكر حتى أسماءهم في محافل الرؤساء… لكان الناس يُغضون عن معايبه)) ()

ثم نجدها في شعر أحمد بن يوسف المنازي (ت437هـ) مادحاً وواصفاً دوحةً:

((نفى حتى الذبابَ الخُضرَ منها

ذبابٌ من حسامكَ ذو اخضرار)) ()

بعد ذلك نجد الظاهرة عند أبي العلاء المعري (ت449هـ) يشرح بيتاً للمتنبي:

((ما زلتُ أطلب العفافَ حتى في حال الخلوة مع الرقيب)) () كذلك نجدها في لزومياته:

وقد كذبوا حتى على الشمس أنها

تهان إذا حان الشروقُ وتُضربُ ()

ونجدها عند ابن رشيق (ت456هـ): ((كانت العرب لا تتكسب بالشعر، فلما جاء الأعشى جعل الشعر متجراً. وقصد حتى ملك العجم)). ()

ونجدها عند عبدالقاهر الجرجاني (ت474هـ): ((… .. ولذلك تجد الشيء يلتبس منه حتى على أهل المعرفة)) ()

ونجدها عند نصرالله بن قلاقس الإسكندري (ت567هـ):

((والخط حتى في الحروف مؤثرٌ

يختص بالترقيق والتفخيم)) ()

ثم نجد الظاهرة في شعر أحمد بن عيسى الهاشمي (ت593هـ):

((لم أكتحل في صباح يومٍ

إلاّ لحزني، وذاك أنّي

أهريقَ فيه دمُ الحسينِ

سوّدتُ حتى بياضَ عيني)) ()

وفي أول القرن الهجري السابع نجدها عند كمال الدين الفارسي:

((وذلك غير مضر حتى في الحسبانات)) ()

ثم نجدها في تاريخ ابن الأثير (ت630هـ)؛ ومنها:

((فأخذهم البربر وذبحوهم حتى النساء والصبيان)) ()

((وقتلوا منهم خلقاً كثيراً حتى عند الضريح)) ()

((وقدّمه حتى على نفسه)) ()

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير