وقد تفرّد به أبو معشر عن محمد بن عمرو، قال العقيلي: «لا يُتابع - يعني: أبا معشر - عليه»، وقال الطبراني: «لم يرو هذا الحديث عن محمد بن عمرو إلا أبو معشر».
وأبو معشر متكلَّم فيه، وهذا الحديث - خصوصًا - مما أُنكر عليه، قال النسائي في السنن (4/ 171): «وأبو معشر المدني اسمه نجيح، وهو ضعيف، ومع ضعفه أيضًا كان قد اختلط، عنده أحاديث مناكير، منها: محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما بين المشرق والمغرب قبلة) ... »، وإخراج العقيلي الحديث في ترجمته دليل على إنكاره الحديث عليه.
وقال الترمذي بعد إخراج الحديث: «وقد تكلم بعض أهل العلم في أبي معشر من قبل حفظه، واسمه: نجيح مولى بني هاشم، قال محمد - يعني: البخاري -: لا أروي عنه شيئا وقد روى عنه الناس».
وقد جاء ما صورتُهُ متابعة لأبي معشر، فقد أخرجه ابن عدي في الكامل (5/ 188) من طريق علي بن ظبيان عن محمد بن عمرو به، وقال بعده: «وهذا لا أعلم يرويه عن محمد بن عمرو غير علي بن ظبيان وأبي معشر، وهو بأبي معشر أشهر منه بعلي بن ظبيان، ولعل علي بن ظبيان سرقه منه».
فهذه المتابعة مما لا يُعتمد، للعلة التي ذكرها ابن عدي، فالأئمة قد حكموا بتفرّد أبي معشر عن محمد بن عمرو بهذا الحديث، ثم يأتي هذا الراوي (علي بن ظبيان) وهو متروك الحديث، كذّبه ابن معين = فيروي الحديث عن محمد بن عمرو، كالمتابع لأبي معشر.
فالمتابعة هذه خطأ غير معتمدة، وحتى لو كانت معتمدة، فإن الحديث أنكره الأئمة على أبي معشر، وتابعه رجلٌ منكر الحديث متروك، فتقوية هذا بهذا خطأ محض.
وجاءت متابعةٌ أخرى لأبي معشر، أخرجها البيهقي في الخلافيات وبيّن أنها خطأ، ولم يتيسر لي الوقوف على سند البيهقي في الخلافيات، لكن وقع في مختصر الخلافيات (2/ 19، 20): «وروي بإسناد ضعيف عن أبي هريرة مرفوعًا: «ما بين المشرق والمغرب قبلة»، وروي عن أبي جعفر الرازي عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعًا، وزاد في آخره: «لأهل العراق»، وكذلك روي عن أبي معشر عن محمد بن عمرو، وهذا أشبه، وأبو معشر هذا ضعيف».
وأبو جعفر مختلف فيه، بين موثق ومضعّف.
لكنَّ قول البيهقي في رواية أبي معشر: «وهذا أشبه» يدل على إعلاله متابعة أبي جعفر الرازي، بأن الحديث راجعٌ إلى رواية أبي معشر، فهي الأشبه بالحديث والأصح والأظهر، وهذا موافق لحكم غيره من الأئمة بتفرد أبي معشر بالحديث.
وهذا ملحظٌ مهمٌّ في التقوية بالمتابعات، فإنه قد يُغتر بورود متابعة هنا أو هناك، ويُقوَّى بذلك الحديث، إلا أن حكم الأئمة بالتفرد، ثم إعلالهم المتابعات الواردة = مما يبطل أثر هذه المتابعات في تقوية الحديث، فليُنتبه.
فالحديث إذن منكرٌ من هذا الوجه عن أبي هريرة - رضي الله عنه -.
وقد أخرجه الترمذي (344) عن الحسن بن بكر المروزي، وابن أبي شيبة في المصنف (7440) ومن طريقه ابن عبد البر في التمهيد (17/ 58، 59)، كلاهما - الحسن وابن أبي شيبة - عن المعلى بن منصور،
تنبيه: وقع في المطبوع من الترمذي في اسم شيخه: الحسن بن أبي بكر المروزي، والصواب كما في نسخة الكروخي (29ب): (الحسن بن بكر)، وقد نبّه عليه الألباني - رحمه الله - في الإرواء.
والطبراني في الأوسط (790) من طريق محمد بن معاوية النيسابوري، و (9140) من طريق إسحاق بن جعفر بن محمد،
ثلاثتهم - المعلى ومحمد بن معاوية وإسحاق - عن عبد الله بن جعفر المخرمي، عن عثمان بن محمد الأخنسي، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة.
وقد تفرد به عبد الله بن جعفر المخرمي عن عثمان بن محمد، كما قاله الطبراني بعد إخراجه في الأوسط (790).
ولم أجد لشيخه عثمان بن محمد متابعًا، ولا من أشار إلى متابع له، فهو إذن تفرد به عن سعيد المقبري، قال الشوكاني في نيل الأوطار (1/ 719): «فنظرنا في الإسناد، فوجدنا عثمان بن محمد بن المغيرة بن الأخنس بن شريق قد تفرد به عن المقبري ... ».
وعثمان الأخنسي تُكُلّم فيه، قال النسائي: «ليس بذاك القوي»، وقال أبو داود: «في حديثه نكارة»، وتكلم ابن المديني في روايته عن سعيد بن المسيب، وقد وثقه ابن معين.
¥