إلا أن تفرُّدَهُ عن سعيد المقبري مما قد لا يُحتمل، فسعيد له أصحاب حفاظ عارفون بحديثه، وهم طبقات يُفاضل بينهم، وعقد ابن رجب فصلاً في شرح علل الترمذي في أصحاب سعيد المقبري، ثم يتفرد هذا الراوي المُتكلّم فيه بهذا الحديث من دونهم، فهذا يثير الريبة في صحته.
ولهذا فقد ضعّفه الإمام أحمد، قال ابن عبد الهادي في المحرر (ص102): «تكلم فيه أحمد»، وكلام أحمد نقله أبو داود في مسائله عن أحمد (1904)، قال: سمعت أحمد بن حنبل يقول: «يُروى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما بين المشرق والمغرب قبلة»، وليس له إسناد»، قال أبو داود: «يعني حديث عبد الله بن جعفر المخرمي - من ولد مسور بن مخرمة -، عن عثمان الأخنسي، عن المقبري، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم. يريد - أي: أحمد - بقوله: «ليس له إسناد»: لحال عثمان الأخنسي، لأن في حديثه نكارة».
وقال ابن رجب في فتح الباري: «وقد قال أحمد: (ليس له إسناد)، يعني: أن في أسانيده ضعفًا، وقال - أي: أحمد - مرةً: (ليس بالقوي)».
خلافًا للترمذي - رحمه الله -، الذي صححه فقال: «هذا حديث حسن صحيح».
وقد نقل الترمذي قبل ذلك قول الإمام أبي عبد الله البخاري: «وحديث عبد الله بن جعفر المخرمي عن عثمان بن محمد الأخنسي عن سعيد المقبري عن أبي هريرة = أقوى وأصح من حديث أبي معشر».
وأطلق بعض العلماء - بناءً على ذلك - أن البخاري يقوِّي حديث المقبري عن أبي هريرة، قال ابن عبد الهادي في المحرر (ص102) وابن حجر في البلوغ (ص116): «وقواه البخاري».
وهذا مما لا يُفهم من كلام البخاري، لأن البخاري يُقارن بين حديثين، وكون أحدهما أقوى وأصح من الآخر لا يعني: أنه صحيح، فقد يكون ضعيفًا والآخر أشد ضعفًا، فإن الضعف درجات متفاوتة.
قال الشيخ أبو معاذ طارق بن عوض الله في تحقيقه البلوغ: «وهي تقوية لإحدى طرق حديث أبي هريرة على طريق أخرى، وليس تقوية لأصل الحديث».
وقول البخاري في ذلك صحيح، فإن حديث المخرمي عن الأخنسي عن المقبري عن أبي هريرة أقوى من حديث أبي معشر إسنادًا، وقد يكون الترمذي مال إلى التصحيح لأجل هذا، إلا أنه وإن كان أقوى فإن فيه ما ذُكر من تفردٍ عن المقبري بما لا يُقبل.
فلعله عن أبي هريرة لا يثبت مرفوعًا، كما قال الإمام أحمد - رحمه الله -.
يتبع - بحول الله - ..
ـ[محمد بن عبدالله]ــــــــ[31 - 03 - 06, 08:08 م]ـ
أرسل إليَّ أحد المشايخ الأفاضل، هو ممن أحبهم وأجلّهم وأقدرهم = بعضَ الملحوظات.
- وخالفه معمر، فرواه عن أيوب عن نافع عن ابن عمر موقوفًا عليه، فيما أخرجه عنه عبد الرزاق في المصنف (3636).
والراجح الأول، لأمرين:
الأول: أن أيوب بصري، ومثلُهُ ابن علية، واتفاق البلد قرينة للترجيح.
معمر بصريٌّ كذلك، وإن نزل اليمن وأقام بها، لكن يبقى مع ذلك ترجيح رواية إسماعيل بن عليّة على رواية معمر، لغير هذا السبب.
7 - ورواه زائدة بن قدامة كذلك (عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر عن عمر)، ذكر روايته البيهقي في السنن (2/ 9)، ولم أجد من أخرجها.
هذه الفقرة مكررة، لأنه سبق ذكر رواية عبيد الله بن عمر، وذكر رواية زائدة عنه، وقولي: (لم أجد من أخرجها) كان قبل اطلاعي على ما في التمهيد، وقد عزوت رواية زائدة إليه أعلاه.
وقد ساوى ابن معين بين الثلاثة: مالك وأيوب وعبيد الله، قال ابن رجب في شرح العلل (2/ 668): «قال عثمان بن سعيد: قلت ليحيى: أيوب أحب إليك عن نافع أو عبيد الله؟ قال: كلاهما، ولم يفضل، قلت: فمالك أحب إليك عن نافع أو عبيد الله؟ قال: كلاهما، ولم يفضل».
هو في تاريخ الدارمي عن ابن معين (128، 525).
وخالف الجميع: محمد بن عبد الرحمن بن المُجَبَّر، فرواه عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم، فيما أخرجه من طريقه الدارقطني في السنن (1/ 271)، والحاكم في المستدرك (742)، وعنه البيهقي (2/ 9).
وهذه الرواية منكرة، نقل ابن أبي حاتم في العلل (1/ 183) عن أبي زرعة، قولَهُ في هذه الرواية: «هذا وهم».
وقد اجتمع فيها سببان للنكارة والخطأ:
الأول: أن ابن المجبر هذا متروك منكر الحديث، قال فيه ابن معين: «ليس بشيء»، وقال أبو زرعة: «واهٍ»، وقال البخاري: «سكتوا عنه» - وهي جرحٌ شديدٌ عنده -، وتركه أبو داود النسائي، وفي أحاديثه عن نافع - وحديثنا من ذلك - خاصةً نكارة، قال الحافظ أبو علي صالح جزرة: «عنده المناكير عن نافع وغيره» (انظر: لسان الميزان: 5/ 245)، والعجب توثيق الحاكم له بعد أن أخرج روايته هذه في المستدرك.
الثاني: أنه مع ضعفه الشديد، خالف جمعًا من أوثق الرواة عن نافع، وأتى بوجهٍ لم يأتِ به أيٌّ منهم عن نافع، قال البيهقي في السنن (2/ 9): «تفرد بالأول - يعني: حديث نافع عن ابن عمر مرفوعًا - ابن مجبر»، وقال الحاكم بعد إخراجه رواية ابن المجبر: «قد أوقفه جماعة عن عبد الله بن عمر».
ومن الخطأ الظن بأن رواية عبد الله بن نمير وحماد بن سلمة عن عبيد الله بن عمر عن نافع كرواية ابن المجبر = تشدُّ روايته وتقويها، لأن روايتهما مخالِفة غير محفوظة، وغير المحفوظ تحقق فيه الخطأ؛ فليس يَشُدُّ ولا يُشَدّ، ولأن ضعفَ ابن المجبر شديد جدًّا، فحديثه مما لا يَشُدُّ ولا يُشَدُّ أيضًا.
يضاف:
قال ابن رجب في فتح الباري: «ورفعه غير صحيح عند الدارقطني وغيره من الحفاظ».
بارك الله فيكم، وأحسن إليكم.
ولعلي أضع ما تبقى قريبًا - إن شاء الله تعالى - ..
¥