واحتج أهل هذا القول بآية] فمنكم كافر ومنكم مؤمن [، ففهموا منه خصوص الخطاب في كل قرية. وكذلك قوله تعالى:] وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين [فكأنهم حملوا الآية على الإضمار – أي في كل قرية - مع أن هذا لا يناسب أصولهم في عدم تقدير الأمور.
والذين ذهبوا إلى نفي وقوعه في المجتمع مطلقا حجتهم في ذلك الأدلة التي تثبت لمن نطق بالشهادتين واستصحاب ذلك على سبيل الدوام، فلا ينتقض إسلام أحد حتى يسمع صوتا أو يجدا ريحا.
ولهم أيضا أن يحتجوا بالقياس على الحال أعني أنه لا يحكم على أحد بالكفر حتى يظهرذلك منه ظهوره على الدجال، قلت: ومذهبي هنا الكف عن التعليق حتى لا أُدخل تحت عموم (من علق فقد أشرك).
الكتاب الثاني: في الثقافة والاجتماع:
الباب الأول:
واختلفوا في اللغة التي ينبغي أن يفهم بها القرآن فذهب قوم إلى أنها لغة نابغة الفكر، وذهب آخرون إلى أنها لغة عنترة العصر، نعوذ بالله من هذا الفهم القاصر وهذا الفكر المعاصر، ولعل سبب الاختلاف هو غياب فهم السلف وتنزيل القرآن على أكثر من سبعة أحرف.
قلت: إنما نزل القرآن بلسان عربي مبين وإنما يهدمه من لم يعرف لغة الجاهلية الأولى، أو تشرب لغة جاهلية القرن العشرين.
واعلم أن الأولين صرحوا بأن العرف المقارن للخطاب يخصص اللفظ العام، فإذا كان لهذا العرف هذه الأهمية، فما بالك بالعرف اللغوي الذي نشأت عليه الكلمة أول مرة؟
الباب الثاني في الاجتهاد:
واتفق الفريقان على كسر باب الاجتهاد، واختلفوا في شروطه، هل هي التمشي مع روح العصر أو الثورة على ثوابت العصر، وأحسب سبب الاختلاف هو التباين في مسالك العلة فبعضهم يصدر الحكم مستعينا بـ (مسلك الدوران) مع المجتمع والآخرون أخذوا بمسلك (الطرد) أعني طرد أكبر عدد ممكن عن الحق.
ومذهبنا ومذهب جماهير العلماء في الوسطين العزوف عن تفلسف أبي العلاء وشدة شبيب.
ونرى أن شعار أهل الميوعة في الاجتهاد (إنما البيع مثل الربا) وشعار أهل التشنج] إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم [وضرورة تعميم ذلك زمانا ومكانا وأفرادا وأحوالا.
فالعقلاني يقتطع النصوص ويحكّم الأذواق، و (الجهلاني) لا يعرف مدلولات النص من عموم وإطلاق:
فلا تغل في شيء من الأمر واقتصد كلا طرفي قصد الأمور ذميم
الباب الثالث في الاختلاف:
ومن القواعد التي اختلفوا فيها، هل يراعى الاختلاف أم لا؟
فذهب قوم إلى مراعاته مطلقا، ومقابل هذا القول إنكاره مطلقا، ولعل السبب الأساسي للخلاف هو:
هل كل مجتهد مصيب في فهمه أو المصيب واحد بشحمه ولحمه. احتج القائلون بأن لا إنكار في مسائل الخلاف بحديث: " لا يصلين أحكم العصر إلا في بني قريظة" وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر على من حمل الحديث على ظاهره، ولا على من تأوله على أنه حث على المسير. فكأنهم جعلوا هذه الواقعة من الخاص الذي أريد به العام فهي تنبيه ببعض أفراد الخلاف إلى جميع أصناف الخلاف وللفريق الثاني أن يحملها على أساس أنها فعل يتطرق إليه الاحتمال، إلا أن تطرق الاحتمال لا يجري على أصولهم في الجزم والحسم. بقي لهم الاستدلال بحديث: "اهدني لما اختلف فيه من الحق" فالاختلاف – إذن – ليس هو الحق فإن كان الخصم لا يراه حقا كله ولكن لا يرى الانكار مطلقا، فيلزمه أن لا ينكر باطلا أصلا.
- الباب الرابع: في المرأة:
اختلف الفريقان في اشتغال المرأة خارج البيت، فذهب قوم إلى وجوب اشتغالها بالعمل في الخارج، وإلغاء وظيفة المنزل. وذهب آخرون إلى وجوب تعليقها في البيت – مطلقا -.
وسبب تنازعهم في ذلك التعارض في ظاهر الأمر بين آية] وقرن في بيوتكن [،وبين بعض أحداث السيرة كمداواتها للجرحى ...
وكذلك قياس الشبه في تردد المرأة بين أن تكون كالرجل أو كاللباس وكذلك تذبذبها بين أن تكون قوتا ومالا خاصا بالبيت، أو تفكها في المجالس والتجمعات، والفقه إلحاقها بالرجال، والمحافظة عليها كالأقوات والأموال.
ومذهبنا ومذهب أهل العلم أن الأصل إقامتها في بيتها وخروجُها لحاجتها وحاجة الأمة إليها.
ويقال للفريق الأول "رفقا بالقوارير "كما يقال للفريق الآخر " لا تمنعوا إماء الله مساجد الله" فإذا لم تمنع من الخروج إلى المسجد مع أفضلية البيت في حقها، وعدم تعين المسجد فلأن تخرج في حوائج أخرىأكثر تعينا أولى.
¥