تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وَأُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيْلاً. وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ فَإنَّ اللهَ أعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيْماً} [الأحزاب: 28 – 29]، فقد فهم هذا الإنذار مَن فهمه، وارتدع المشاغبون فيما بعد عن شغبهم، وانتهى الغاوون عن غيهم، ومن كان يبطن شيئا من هذا القبيل، دفنه في مهده.

وهكذا كان يربي شيخنا – رحمه الله تعالى- أبناءه الطلاب، فكانت تربيته ذات أسلوب حضاري راقٍ، مستمدة من مفاهيم الشريعة، مستنيرة من مشكاة النبوة، ممزوجة بحزم يتطلب أحيانا قسوة على من يرحم به المربي، بعيدة عن المداهنة والنفاق، وعن العنجهية والشدة، فكان –رحمه الله – يتخذ أساليب متعددة لتربية الطلاب، أرى أنها ناجحة، تؤتي ثمارها المرجوة، إن أحسن المربي استخدامها.

كان شيخنا –رحمه الله تعالى - مثالا رائعا للجد والنشاط، فكان وقته كله معمورا بالقراءة والكتابة، وبما يصلح شأنه وشؤون أهله، ولا يضيع منه لحظة فيما لا يعود عليه بالنفع, وكان يحث أبناءه الطلاب في الفصول الدراسية وفي المجالس العامة والخطب على ملازمة الجد والاجتهاد في طلب العلم، وتوسيع أفق المعرفة والثقافة، واستغلال الوقت في النافع، فكان يحب من يتوسم فيه من الطلاب النباهة والجد والنشاط، ويقربه إليه ويشجعه على المضي فيه، وكان يفرح جداً إذا عرض عليه الطلاب خطة لبرنامج يقومون فيه بأنشطة علمية ثقافية، فيرحب بها، ويوجهها توجيها نافعا؛ فذات ليلة جلسنا معه بعد صلاة العشاء، واستشرناه في عمل برنامج يساعد الطلاب على تعلم اللغة العربية تحدثا وتحريراً، وعلى توسيع أفق الثقافة والمعرفة لديهم، فرحب بالفكرة، وفرح بها، لأنها صادفت هواه وهمومه، فدعاني في اليوم التالي إلى مكتبه، وأملى علي بعض التعليمات والضوابط التي تعين على إدارة البرنامج إدارة مثمرة، وعلى ضوء تلك التعليمات والضوابط تم – بحمد الله تعالى- إنشاء "لجنة الثقافة" كجناح ثقافي لـ"ندوة الطلبة"، وذلك سنة 1997م، واستفاد منها الطلاب كادرا بعد كادر.

وكان شيخنا – رحمه الله تعالى – حازماً في القول والعمل، فكان لا يتكلم إلا في خير وفيما يعنيه ويعني مصلحة الطلاب والجامعة، ولم أره قط يخوض في حديث الناس، أو فيما لا يعنيه، فإذا تكلم، تكلم بكلام مقصود بحذافيره، ليس فيه حشو ولا هراء، يهدف به إلى مرماه، ويصميه ولا يخطئه غالباً. ومن هنا كل من جلس إليه وتحدث معه، سواء كان من الطلاب أو من زملائه الأساتذة، كان يزن كل كلمة من كلامه بميزان الصحة والخطأ، ويضعها على محك العقل، ثم ينطق بها منتبها لمسارها ووجهتها، فما كان أحد يجرؤ في مجلسه أن يرسل كلامه على عواهنه. وهكذا تربى الطلاب العقلاء وحتى الأساتذة على الاتزان في الكلام، والتزام الوقار في المجلس.

وأما عمله فكان مترتباً بلوازمه، منسقاً بأوقاته، منظماً بآلياته، فلم أره أبداً على غير نسق ولا ترتيب، لا في مكتبه، ولا في قاعة الدرس، ولا في المسجد، إذا دخلت عليه مكتبه، رأيت كل شيء فيه مرتباً آخذاً بمكانه، مع أنه كان كثير الاشتغال بالقراءة والكتابة، والمقابلة مع الزوار.

وكان مثالا في الالتزام بالمواعيد، فما كان يخلفها، فإن كان معه ميعاد لأحد من الطلاب أو من الأساتذة، لم يكن يسعه أن يخلفه. وأما الصلاة، فكان يصليها بالجماعة، ولا تكاد تفوته تكبيرة الإحرام، حتى في صلاة الفجر وفي الشتاء، وهيئته في الصلاة بما فيها من الوقار والاعتدال والخشوع، وإتمام أركانها وواجباتها لم أر مثله فيها لا في الهند ولا في المملكة العربية السعودية، فإذا قام للصلاة، كأنه أسطوانة ضاربة الجذور في الأرض، لا تصدر منه حركة سوى حركات الصلاة، وكان يحب أن يكون كل مصلٍ على تلك الهيئة، فإذا رأى أحداً ينشغل بالأنف أو باللحية أو بالطاقية، ويقوم بتصرف مخل بالصلاة، جلس معه بعد الانصراف من الصلاة، ونبَّهه على خطأه، وأنبه إذا احتاج إلى التأنيب. ومن هنا كان الطلاب يجتبون يمين المسجد التي يصلي فيها شيخنا والأساتذة الآخرون، حتى لا يتعرضوا لعتابه إذا لعبوا في الصلاة، وكنت ممن يلهو عن الصلاة، وينشغل بالطاقية وبالتصرفات المخلة بالصلاة، فكنت أجتنب تلك الجهة أشد الاجتناب، فيوما من الأيام دخلت المسجد، وكانت صلاة العشاء (وكنت طالباً في السنة الثانية من الثانوية

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير