وكان يَظُنُّ – حين عودته – أنه سيقابَل بالترحيب من العلماء والوجهاء، وسيُفسح له المجال للدعوة، وسيجد من الدعم والتأييد ما يعينه على نشر العلم. إلا أن شيئا من ذلك لم يكن، والسبب في ذلك واضح غير خفي، حيث استحدث طريقة في الدعوة والتعليم مغايرة للطريقة المعهودة، مع إنكاره البدع والعوائد الموجودة في المساجد، وتبصير الناس بما يخالف الشريعة. وهو الأمر الذي يهدد بسحب البساط من تحت زعامات ووجاهات ذوي مناصب ينظر إليهم العامة على أنهم أهل الحل والعقد.
فنوصب - المترجم له - العداء من قبل بعض من ساءهم فعله، وشقت عليهم طريقته، وأزعجتهم دعوته، فعملوا على التنفير منه، والتحذير من دعوته، فصبر واحتسب، وتحمل الأذى، كل ذلك وهو لا يألو نصحا وإرشادا.
ومما زاد التأليب عليه أنه "صار يعترض على بعض الفتاوى التي يفتي بها بعض من نصب نفسه للفتوى، فيبطلها ويصححها، وكذلك الأحكام القضائية، فإنه كان يتصدى لبطلانها، ويبين لهم الحكم الصحيح، ويقيم على ذلك البراهين الفقهية" (مذكرة الملاحي ص 148).
وما أصدق من قال عنه:
و البعض عنه أعرضا ... مكافحاً و مبغضا
وشيخنا يبدي الرضا ... لهؤلاء المبغضين
إلى أن قال:
نال المقامات العلا ... مبجلاً عند الملا
في علمه مكملا ... أخلص قصداً ويقين
لا بالدعاوى الكاذبة ... و لا القضايا السالبة
و لا الفعال الخائبة ... كمثل ناس مدعين
خداعة بالألسنة ... مكارة في الأمكنة
قناصة في الأزمنة ... نهَّابة للمسلمين
كل ضعيف ينخدع ... لقوله و يستمع
يظنه ممن رفع ... إلى مقام الآمنين
قال المؤرخ الشيخ سعيد بن عوض باوزير: "وكان طبيعيا أن يلقى الشيخ محمد ابن سلم من أهل الشحر إيذاء ومعاضة، إذ كان الأهالي إذ ذاك لا يعرفون عن هذه التعاليم شيئا والمرء عدو ما جهل، وضاق ذرعا بما رأى من انصراف أهل الشحر، فسافر إلى حضرموت لزيارة علمائها وصالحيها والتعرف بهم".
رحلته في ربوع حضرموت:
رحل المترجم له للقاء من بقي من مشاهير علماء حضرموت للأخذ عنهم، والاتصال بهم، وكانت رحلته هذه في حدود سنة 1311هـ، أي عقب مرجعه من مصر، وممن لقيهم في رحلته هذه:
1 - مسند حضرموت السيد عيدروس بن عمر بن عيدروس الحبشي (1237 - 1314هـ).
2 - مفتي حضرموت السيد عبدالرحمن بن محمد المشهور (1250– 1320هـ).
3 - شيخ رباط سيؤن السيد علي بن محمد بن حسين الحبشي (1259 - 1333هـ).
4 - السيد أحمد بن حسن العطاس (1257 - 1334هـ). لقيه في حضرموت كما يفهم من سياق "الصفحات" و"حياة جديدة"، ثم إن السيد العطاس قد زار الغيل ورباطها في حياة المترجم له وبعد وفاته كما سيأتي إن شاء الله.
قال المؤرخ باوزير في "حياة جديدة": "وكان هذا الأخير أكثرهم اتصالا بالشيخ وعناية به، وهو الذي شجعه على الإقامة بالغيل وبناء الرباط بها".
5 - والسيد عبدالله بن عمر بن سميط، (كما في "الإدام" ص 148، ط. المنهاج).
6 - والسيد عبدالله بن حسن البحر، (كما في "الإدام" ص 148، ط. المنهاج).
رحلته إلى الحجاز:
ويظهر من أسماء شيوخه أنه قصد بلاد الحرمين لأداء فريضة الحج، إلا أن المصادر لا تسعفنا بشيء عن هذه الرحلة. وإنما عرفنا ذلك من ذكر شيوخه الذين ذكرهم تلميذه السيد محسن بونمي، وهم:
1 - العلامة الفقيه الشيخ محمد سعيد بن سالم بابصيل المكي الشافعي ( ... -1330هـ).
2 - مفتي الشافعية بمكة السيد حسين بن محمد بن حسين الحبشي (1258 - 1330).
ومما يشكل أن السيد محسن بونمي ذكر من مشايخ العلامة ابن سلم:
3 - العلامة الفقيه السيد أبو بكر بن محمد شطا البكري الدمياطي ثم المكي الشافعي (1266 - 1310هـ).
ووفاته – كما ترى – سنة 1310هـ، والعلامة ابن سلم في هذه السنة كان لا يزال بالأزهر، وبكري شطا هذا من علماء مكة ولادة ووفاة. ولم أطلع على أصل المنظومة، وأخشى أن يكون ذكره في النظم باسم الشهرة (شطا)، فظنه الأستاذ محسن (بكري شطا)، فليحرر.
ويحتمل أن تكون حجته هذه أنشأها من مصر في أثناء دراسته بالأزهر، وهو غير مستبعد، والله أعلم.
سبب ارتحاله إلى مدينة غيل باوزير:
¥